مواضيع متنوعة > صلاة الجماعة
صلاة الجماعة

من شعائر المجتمع المسلم صلاة الجماعة التي يحيا بها المجتمع، وتحيا بها نفوس الأفراد، وتُبقي على صلة وثيقة دائمة بين العباد والمعبود، وتجعل المرء دائم التذكر لربه، دائم الحضور معه سبحانه وتعالى، فكلما شغلته الحياة الدنيا تذكر بعد فينة قصيرة أن له رباً عليه أن يعود إليه، وأن يقطع انشغاله الدنيوي في كل يوم خمس مرات، فإن كان نائماً وجب عليه أن يستيقظ، وإن كان يعمل وجب عليه أن يقطع عمله، وإن كان في تسلية أو ترفيه فعليه أن يقطع تسليته ليقدّم صلاة الجماعة على كل عمل، ولا يخفى ما لهذا من أثر عظيم في تحقيق الصلة بين العبد والرب.

من شعائر المجتمع المسلم صلاة الجماعة التي يحيا بها المجتمع، وتحيا بها نفوس الأفراد، وتُبقي على صلة وثيقة دائمة بين العباد والمعبود، وتجعل المرء دائم التذكر لربه، دائم الحضور معه سبحانه وتعالى، فكلما شغلته الحياة الدنيا تذكر بعد فينة قصيرة أن له رباً عليه أن يعود إليه، وأن يقطع انشغاله الدنيوي في كل يوم خمس مرات، فإن كان نائماً وجب عليه أن يستيقظ، وإن كان يعمل وجب عليه أن يقطع عمله، وإن كان في تسلية أو ترفيه فعليه أن يقطع تسليته ليقدّم صلاة الجماعة على كل عمل، ولا يخفى ما لهذا من أثر عظيم في تحقيق الصلة بين العبد والرب.
وهذا يجب على كل مسلم ذكر عاقل بالغ، فحكم صلاة الجماعة في قول جمهور العلماء: سنة مؤكدة أو فرض كفاية أو واجبة وجوباً عينياً. فعند الإمام الشافعي هي فرض كفاية على كل أهل قرية وكل أهل مدينة، إن قام بها بعضهم سقط الإثم عن الباقين وبقيت في حق الباقين سنة، وإن لم يقم بها أحد كانت جماعة المسلمين في هذه القرية أو المدينة آثمة. وعند الإمام أحمد بن حنبل هي واجبة على كل مسلم ذكر عاقل بالغ. وأما في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان فإن هناك روايتين: إحداهما الاستحباب، والأخرى الوجوب.
وأدلة وجوب صلاة الجماعة كثيرة، والذين قالوا: إنها مستحبة انطلقوا من مسألة: هي أن من أدى صلاة الفريضة في غير جماعة أجزأته وسقط الفرض عنه ولم يجب عليه القضاء. قالوا: إن عددناها واجبة فهذا يعني أنها لا تجزئ إلا في جماعة، ولكنْ، الصحيح أنها واجبة، ولكن تصح بغير جماعة مع الإثم والمؤاخذة. فإن صليتَ منفرداً سقط الفرض عنك، وليس عليك القضاء لأن الجماعة ليست شرطاً لصحة الصلاة، ولكنْ أثمتَ بترك صلاة الجماعة لأنك تركت واجباً من الواجبات التي ليست شروطاً لصحة الصلاة. فهذا هو سبب القول الذي قال به الحنفية من الاستحباب، قالوا: لأن الجماعة ليست شرطاً لصحة الصلاة، والرواية الأخرى هي الوجوب. وأدلة الوجوب في الكتاب والسنة كثيرة جداً، منها قول الله سبحانه وتعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين". /البقرة 43/
هذه الآية فيها أوامر ثلاثة: الأمر بإقامة الصلاة: هذا معلوم، والأمر بإيتاء الزكاة: هذا معلوم، والأمر الثالث: "واركعوا مع الراكعين". ما معنى "واركعوا مع الراكعين"؟
إن كان المقصود به إقامة الصلاة فهذا تكرار، فلا بد من فائدة زائدة على إقامة الصلاة.
قال المفسرون: "واركعوا مع الراكعين" أي، صلوا صلاة الجماعة. لا تصلوا منفردين، بل صلوا مع إخوانكم الذين يصلون. فهذه الآية، استدل بها فريق من العلماء على وجوب صلاة الجماعة.
وفي سنة النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أحاديث عديدة تبين أهمية صلاة الجماعة وفضلها، وأحاديث أخرى تبين وجوبها، والتشديد في تركها، والتنفير الشديد من التقصير فيها، يقول النبي عليه الصلاة والسلام في بيان فضيلة صلاة الجماعة: "صلاة الرجل في جماعة تُضعَّف على صلاته في سوقه وبيته بضعاً وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ في بيته ثم خرج إلى المسجد، لا يريد إلا الصلاة، لا ينهزه إلا الصلاة، لم يخط خَطوة إلا حط الله عنه بها خطيئة، ورفع له بها درجة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما دامت الصلاة هي تحبسه، وإن الملائكة تصلي على أحدكم مادام في مصلاه الذي صلى فيه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يُحدِث فيه، ما لم يؤذِ فيه". / 1 /
لاحظ أن هذا الحديث بيّن أن صلاة الجماعة هي الصلاة التي تؤدى في المسجد حصراً، وأن الجماعة التي تؤدى في البيت أو في الدكان ليست هي الجماعة الشرعية الواجبة، ولا تسقط بها فريضة الجماعة، حيث يقول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته؟!
لم يقل: على صلاته لوحده، لم يجعل الجماعة مقابلة لصلاة المنفرد، لا.
قال: تضعف على صلاته في سوقه وبيته بضعاً وعشرين درجة، وفي هذا إشارة إلى أن الجماعة لا تكون إلا في المسجد حصراً. هذا لا يعني أنه لا يجوز أن تُصلى صلاة الجماعة في البيت. الذي يفوت صلاة الجماعة، ويريد أن يصلي جماعة في بيته على سبيل المثال صلاته صحيحة، ولكن ليست هذه هي الجماعة الشرعية المقصودة بالآيات والأحاديث، ليست هذه الجماعة الواجبة، وليست هذه الجماعة التي يُذكر فضلها في أحاديث كثيرة، التي تزيد بسبع وعشرين درجة، أو تضعف سبعة وعشرين ضعفاً على صلاة المنفرد، إنما هي جماعة المسجد حصراً. صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في سوقه وبيته بضعاً وعشرين درجة.
إذاً، المشي إلى المسجد عبادة، المكث في المسجد عبادة، فما بالك بالصلاة في المسجد؟! كم فيها من الأجر؟! أنت – في المسجد – قبل الصلاة في صلاة، وبعد الصلاة في صلاة، وأثناء الطريق إلى المسجد في صلاة، وبعد انصرافك من المسجد في صلاة. كل خطوة تخطوها إلى المسجد يحط الله عنك بها خطيئة، ويرفع لك بها درجة. وُجودك في المسجد قبل الصلاة صلاة ما دمتَ تنتظر الصلاة، مكثك في المسجد بعد الصلاة صلاة ما دمت باقياً فيه ابتغاء وجه الله مسبحاً ذاكراً طالباً للعلم، طالباً الأجر والثواب، فلك بذلك أجر الصلاة، والملائكة تصلي عليك، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، هذا إذا لم تؤذ في المسجد ولم تحدث فيه، أي لم ينتقض وضوؤك وإذا لم تنصرف منه. متى انصرفت من المسجد انقطعت دعوات الملائكة لك.
إذاً، كل هذه الفضائل قبل الصلاة وبعدها، وفي الطريق إلى المسجد وفي طريق الرجوع منه، فما بالك بفضيلة الصلاة في المسجد؟! كم فيها من الأجر؟!
" بيوت الله في الأرض المساجد، وعُمَّارها زوار الله سبحانه، وحق على المَزُور أن يكرم زائره". / 2 /، فكيف إذا كان المزور أكرم الأكرمين سبحانه وتعالى.
إذاً، كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يعرفون قدر صلاة الجماعة وأهميتها، فلم يكونوا يتساهلون فيها، ولم يكن واحدٌ منهم يترك صلاة الجماعة إلا للعذر الشديد، وما هو العذر الذي يبيح للمرء تفويت صلاة الجماعة؟
المرض الشديد الذي يمنع الإنسان من الحركة، ويجعله طريح الفراش، ويجعله عاجزاً عن القيام والمشي إلى المسجد تسقط به صلاة الجماعة، وأما المرض اليسير الذي لا يمنع الحركة فإنه لا يسقط وجوب صلاة الجماعة.
البرد الشديد كذلك يسقط وجوب صلاة الجماعة.
المطر الشديد يسقط وجوب صلاة الجماعة، وقد كان عليه الصلاة والسلام في مثل هذه الأحوال ينادي: "ألا صلوا في الرحال، ألا صلوا في الرحال". /3/
وهذا المطر أو البرد هو الذي يمنع الناس من الخروج، ويجعل المشي إلى المسجد شاقاً عسيراً، ومعلوم أن بلادنا لا يصيبها مثل هذا المطر، ولا مثل هذا البرد، فبردنا يسير محتمل، ثم صارت عندنا وسائل للتدفئة تجعل المشي في أقسى الظروف وأشد أشكال الجو صعوبة أمراً يسيراً، فهناك وسائل للتدفئة، ووسائل للتبريد وسيارات مكيفة صيفاً وشتاءً، وملابس مختلفة الأنواع تجعل المضي إلى المسجد ميسراً في كل الظروف، فلم يعد لنا عذر. والمطر الذي ينزل عندنا لا يؤدي إلى قطع السير كما كان يحدث ربما في زمان النبي عليه الصلاة والسلام، حيث لا توجد هذه المصارف والمجارير التي تحل مشكلة المياه سريعاً، فربما ينزل المطر فتفيض الطرقات وتصير أنهاراً، وتمنع الإنسان من تجاوز هذا الطريق، أما اليوم فمهما كان المطر غزيراً فالأمر محلول، هناك مظلات، وهناك معاطف واقية من المطر، والشارع يبقى سالكاً في كل الظروف بوجود المصارف المائية التي تحل مشكلة المياه.
ولكنْ، لو كان البرد شديداً جداً، والمطر غزيراً جداً بحيث يمنع الإنسان من المشي في الطريق فإن صلاة الجماعة تسقط، وكذلك في حالة الخوف تسقط صلاة الجماعة. إذا كان بين الإنسان والمسجد قُطَّاع طريق أو وحوش مفترسة بحيث يخشى على حياته إذا مشى في هذا الطريق، ولا يوجد طريق آخر إلى المسجد تسقط عنه صلاة الجماعة، وله أن يصلي في البيت، كذلك تسقط صلاة الجماعة عن المسافر، فإذا كنت في سفر فأنت مخيَّر بين أن تصلي في جماعة وأن تصلي منفرداً. حتى صلاة الجمعة تسقط عن المسافر في بعض الأحوال، فلك أن تصلي صلاة الجمعة إن شئت، أو تصلي الظهر منفرداً وتقصر الصلاة إن شئت.
في غير هذه الأحوال والأعذار المحددة شرعاً، لا يجوز تفويت صلاة الجماعة.
البعض يتساءل، يقول: إذا كان عندي ضيف تسقط عني صلاة الجماعة؟! نقول: هذا أمر لم يقل به جمهور علماء المسلمين، لم يقل به إلا قلة من العلماء الذين خالفوا جمهور الفقهاء، فليس هذا من الأعذار الشرعية. الضيف الذي عندك، ألا تجب عليه صلاة الجماعة هو أيضاً؟! فكيف يترك صلاة الجماعة وتتركها بسببه؟! وإن كان مسافراً تسقط عنه صلاة الجماعة، فهذا ليس عذراً لك أن تفوتها. تستأذن منه وتمضي إلى المسجد لأن هذا أولى من أن تمكث معه للمسامرة والملاطفة، وإرضاء الله أولى من مراعاة خاطره، وإن كان مسلماً حقاً فلا ينبغي أن ينزعج إذا تركته لتلبية نداء الله عندما يناديك إلى الصلاة والفلاح. وكذلك إذا كنت ضيفاً، فهذا لا يسقط عنك صلاة الجماعة، فزياراتك ينبغي أن ترتبها على أساس أوقات الصلاة. البعض يدخل في زيارة مثلاً قبل الأذان بخمس دقائق، فلا يرى من اللائق أن يترك عندما يؤذن المؤذن وينصرف إلى الصلاة، هو لم يأت إلا من خمس دقائق، نقول:
أولاً: اللائق وغير اللائق يُحدد على أساس الشرع، فكل لائق لا يوافق الشرع غير لائق، وكل أمر غير لائق في نظر الناس، ولكنه يوافق الشرع فهو أمر لائق في الحقيقة. فاللائق وغير اللائق، والمناسب وغير المناسب يحددها أوامر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.
ثانياً: إذا أردت ألا تُحرِج وألا تُحرَج، فرتب زياراتك وأعمالك على أساس أوقات الصلاة، فاذهب قبل الصلاة بوقت كافٍ بحيث تمكث عند صاحبك ثم تنصرف عند حلول وقت الصلاة. بل ربما تكون الصلاة مفيدة لئلا نضيّع وقتاً طويلاً.
يزورك إنسان، وربما يكون هذا الإنسان فارغاً ليس عنده أشغال، وليس عنده أعمال، يضيّع وقته ويضّيع أوقات الآخرين، وربما يمكث عندك ساعاتٍ طوالاً ولا يشعر بأنه يضّيع وقتك، يعني ثقيل، ثقيل الدم، قليل الذوق، فوجود صلاة الجماعة فرصة لتتخلص من هذا الثقيل، حان وقت الصلاة، تقول: أستأذن، لا بد من أن أمضي إلى الصلاة.
إذاً: صلاة الجماعة تنظم لك وقتك، الله جل وعلا جعل خمسة أوقات، كل وقت وُضع حيث ينبغي، لا متقدماً ولا متأخراً. فصلاة الفجر توقيتها في هذا الموعد بالتحديد له حكمة بالغة، وكذلك صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قد لا نعلم نحن هذه الحكمة، وقد لا نشعر بها، وقد نشعر أحياناً بحكم هذه الأوقات، المهم أن نجعل حياتنا مبرمجة على أساس أوقات الصلاة، لا العكس. قال لي أحدهم: هناك أحكام ينبغي أن يُعاد النظر فيها، قلت: مثل ماذا؟ قال: مثل مواقيت الصلاة، صلاة الفجر مثلاً وقتها مزعج جداً، كان وقتها مناسباً لزمان الصحابة، حيث كان الناس ينامون عندما يحل الظلام، فيأخذون قسطاً جيداً من النوم ويرتاحون، فإذا حان وقت الفجر كانوا قد شبعوا، فيستيقظون بهمة ونشاط، فوقت الفجر كان مناسباً لزمانهم، لم يكن عندهم كهرباء، ولم يكن عندهم قنوات فضائية، ولم يكن عندهم سهرات وأسواق. أما اليوم فنحن ننام في الساعة الثانية أو الثالثة، ثم نستيقظ لنصلي الفجر الساعة الرابعة؟! هذا غير منطقي. قلت: سبحان الله، ماذا تقترح علينا؟ قال أنا أقترح أن يجتمع جماعة من علماء المسلمين لينظروا في هذه المسألة ويقرروا مثلاً أن يجعلوا وقت صلاة الفجر ما بين الساعة الثامنة والساعة العاشرة صباحاً بما يناسب هذا العصر وتطور الزمان وهذه التطورات الكثيرة التي حلت من وجود الكهرباء والسهرات واختلاف طبيعة الناس. قلت: سبحان الله! نغير الدين تبعاً لتغير حياتنا؟! لا، العكس. طبعاً هذا كلام سخيف، وكلام فارغ، ولكن لا بد من جواب منطقي على هذا الكلام، نقول في الجواب على هذا الكلام:
إن طبيعة الحياة الاجتماعية تتغير، ولكنّ طبيعة التكوين الإنساني لا تتغير، فالله جل وعلا خلق الإنسان وبرمج جسمه للحياة بطريقة مثالية، فإذا اختلت طبيعة حياة البشر، فطبيعة الجسم الإنساني لا تتغير. كان الإنسان ينام من بعد العشاء، والنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الحديث بعد العشاء، فالسهر غير مستحب إلا في أمور قليلة معينة، والحديث بعد العشاء مكروه إلا في ثلاثة أحوال: حديثِ الرجل مع زوجته، ومسامرة زائر آتٍ من سفر، وطلب العلم. هذا يعني أن طبيعة الجسم الإنساني تتناسب مع النوم المبكر، فإذا تغيرت طبيعة حياة البشر واعتدنا السهر، ولكنْ يبقى الجسم الإنساني يفضل النوم المبكر، والسهر يبقى مؤذياً ضاراً لهذا الجسم، وهذا ما أثبتته الأبحاث العلمية الكثيرة.
فالله جل وعلا جعل مواقيت الصلاة في مواعيد حكيمة لا ينبغي أن تقدم ولا أن تؤخَّر، فينبغي أن نبرمج حياتنا على أساس مواقيت الصلاة، وليس العكس. وعندما نلتزم بصلاة الجماعة يصير النظام محكماً أكثر.
صلاة الظهر وقتها واسع، من أذان الظهر إلى أذان العصر، وصلاة العصر كذلك، فإذا صلى الإنسان منفرداً كان النظام غير محكم، بمعنى أنه قد يصلي الظهر في آخر وقتها، ويصلي العصر في أول وقته، ويصلي المغرب في آخر وقته والعشاء في أول وقته، فيصير عنده في حقيقة الأمر ثلاثة أوقات للصلاة في اليوم. صلى الظهر والعصر متقاربين جداً، والمغرب والعشاء متقاربين جداً، والفجر في وقته. فهذا فوت عليه فرصة تنظيم أوقاته الخمسة كما نظمها الله سبحانه وتعالى، أما الذي يلتزم بصلاة الجماعة فعنده دقيقة معينة ينبغي أن يكون فيها في المسجد، أن يحضر فيها تكبيرة الإحرام، وإذا لم يكن في المسجد في هذه اللحظة أو قبلها فقد فوت على نفسه فضيلة عظيمة، هذا يجعله منظماً دقيق المواعيد، أوقاته مقدسة تحسب بالدقيقة، الذي لا يلتزم بصلاة الجماعة ربما لا يهمه موضوع الدقائق، حتى لو كان موظفاً فلا يهمه إن ذهب إلى الوظيفة في التاسعة أو في الثامنة أو في العاشرة وربما بعد ذلك. الفوضى ممكنة في الوظائف، وممكنة في الأعمال المختلفة، حتى في العمل الحر، كثير من العمال والموظفين يتأخرون، ورب العمل يتساهل معهم في ذلك، فلا تكون هناك فرصة لتنظيم الأوقات إلا في صلاة الجماعة. في صلاة الجماعة يتعلم الإنسان تقديس الوقت، تقديس الدقيقة، تقديس الثانية. فتأخر نصف دقيقة عن الموعد المرسوم سيفوت عليه تكبيرة الإحرام. تأخُّر بضع دقائق سيفوت عليه صلاة السنة القبلية، وقس على ذلك...فضائل كثيرة تحتم عليه إذا أراد إدراكها أن يكون دقيقاً بالدقائق، أن تكون أعماله محسوبة على أساس الثواني.
إذاً: فضيلة صلاة الجماعة عظيمة جداً، أدركها الصحابة فتمسكوا بها.
شدد النبي عليه الصلاة والسلام في أمر صلاة الجماعة، وحذر تحذيراً شديداً من تركها، وبين عليه الصلاة والسلام أن الذين يتركون صلاة الجماعة مهددون بأن يُحَرَّقوا وتُحَرّق بيوتهم عليهم، فقال صلوات الله وسلامه عليه، والحديث في صحيح الإمام البخاريّ، وهنا أشدد على صحة الحديث لأن كثيرين سمعوا هذا الحديث مني لأول مرة فقالوا: معقول! هل هذا الحديث صحيح؟ هل هذا الحديث ثابت؟ هذه أول مرة نسمع بهذا الحديث، لذلك أقول: هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه، يقول صلوات الله وسلامه عليه: "والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيُحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤمَّ الناس، ثم أخالف إلى بيوت رجال يصلون في بيوتهم فأحرّق عليهم بيوتهم".
والعياذ بالله، تصوّرْ، كم هو أمر خطير حتى يستوجب تحريق البيت، وإحراق صاحب البيت معه. يقول العلماء: كان هذا قبل تحريم التحريق، فقد "نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن المُثلَة" / 5 /، ونهى عن الحرق، وقال: "لا يعذب بالنار إلا الله". /6/ ولكنْ يبقى هذا الحديث دليلاً على خطورة تفويت صلاة الجماعة.
"والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيُحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤمَّ الناس، ثم أخالف إلى بيوت رجال يصلون في بيوتهم فأحرّق عليهم بيوتهم. والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء معنا".
لو كان يعلم أن هناك طعاماً طيباً في المسجد، وأن هناك مائدة، ربما تحامل على نفسه وجاء إلى الصلاة. وهكذا عادة الإنسان ضعيف الإيمان أن يقدم ما هو دنيوي على ما هو ديني، لأنه يحب العاجل ولا يؤمن بالآجل، أما المؤمن فإنه يرى الآجل الغيبي الذي وعد الله به في الآخرة مضموناً أكثر من العاجل الذي بيده في الدنيا، لذلك يترك الدنيا في سبيل الدين، يترك الدنيا من أجل الآخرة، يترك العمل، يترك التجارة، عندما يحين وقت الصلاة يغلق دكانه وينصرف ليؤدي صلاة الجماعة.
البعض- ما شاء الله – متدين ملتزم لا يفوت صلاة الجماعة، ولكن في الوقت نفسه لا يضحي بالدنيا، هو رب عمل، عنده دكان فيها أجراء وفيها صنَّاع، يحين وقت صلاة الجماعة، يمضي إلى الصلاة، ولكنْ العمل مستمر، يعني بمعنى آخر: هو مطمئن لأنه لم يخسر شيئاً من الدنيا لذلك يذهب إلى صلاة الجماعة، يعتبرها فرصة للراحة. (طيب) أنت تعرف فضيلة صلاة الجماعة وأهميتها فتذهب إلى المسجد، وهؤلاء الأجراء الذين عندك، ألا تجب عليهم صلاة الجماعة؟ فعندما تجبرهم أن يعملوا في وقت صلاة الجماعة، أفلست محاسباً على ذلك؟ تجبرهم على تفويت صلاة الجماعة! ثم أنت لم تضحِّ بشيء في حقيقة الأمر، أديت صلاة الجماعة دون أن تضحيَ بشيء. التضحية أن تذهب أنت وتأخذهم معك وتغلقوا المحل، وتؤدوا صلاة الجماعة كلكم أجمعون، وتضحّوا بما يمكن أن يأتيكم من مال في هذا الوقت. المال الذي يأتي الإنسان من بيع وشراء أثناء وقت صلاة الجماعة فيه شبهة حرام.
يقول العلماء في تعريف التقوى: "التقوى أن يجدك الله حيث أمرك، وأن يفقدك حيث نهاك". (طيب)، في وقت صلاة الجماعة الله يحب أن يفقدك في عملك الدنيوي، ويحب أن يجدك في المسجد، فإذا كان الناس يصلون في المسجد وأنت تبيع وتشتري، ووجدك الله في دكانك، فهذا ليس من التقوى، وهذا المكان ليس المكان الطبيعي الذي ينبغي أن تكون فيه في هذا الوقت بالتحديد. لذلك، إذا بعت واشتريت في هذا الوقت ففي ذلك إشكال. يقول عليه الصلاة والسلام: " لينتهين أقوام عن ودعهمُ الجمع والجماعات أو ليضربن الله قلوبهم ببعض ثم يدعونه فلا يُستجاب لهم".
وبيّن عليه الصلاة والسلام أنه: "ما من أهل قرية لا يقيمون صلاة الجماعة فيهم إلا قد استحوذ عليهم الشيطان". / 8 / القرية إذا لم تؤدِ صلاة الجماعة، "استحوذ عليهم الشيطان".
ومن هنا أخذ الشافعي أنها فرض كفاية، وهذا يعني أن أي واحد لا يؤدي صلاة الجماعة من باب أولى أنه قد استحوذ عليه الشيطان لأنه لم يلجأ إلى بيت الله في المواقيت المناسبة.
البعض يقول: أليست جماعة البيت جماعة؟
نقول: لا، جماعة المسجد هي الجماعة الشرعية المقصودة في الآيات والأحاديث، ولو أن كل واحد صلى جماعة في بيته مع أولاده وإخوته أو نساء البيت لما احتجنا إلى المسجد، إذاً: المسجد لمن؟ لا حاجة له، نغلقه. المسجد فقط لعابري السبيل، للمنقطعين الذين ليس لهم بيوت، وليس لهم دكاكين!!يصلون فيه، فيجعلون المسجد كتكية أو كمكان للاستراحة لأنهم مسافرون!! إذاً، صار المسجد مثل الفندق! نسأل الله العافية. لقد صار المسجد هكذا في كثير من أحيائنا. تدخل المسجد فتجد فيه نائمين، ربما ترك دكانه وأتى إلى المسجد ليرتاح، وليس من اللائق أن يأتي إلى المسجد ولا يصلي، لذلك يصلي ويرتاح، هو أتى بالدرجة الأولى ليرتاح. تجد في المسجد مسافرين عابري طريق، ليس لهم مأوى، فيأتون ويأوون إلى المسجد. هذا ليس محرماً، لا بأس، ولكن المسجد لم يجعل في الأصل من أجل هذا، المسجد لم يُبنَ ليؤوي الغرباء، هذه وظيفة الفنادق، ووظيفة التكايا التي أنشأها المسلمون، ولكن المسجد جعِل ليؤوي أصحاب البلد، أصحاب الحي.
إذا أنت صليت في بيتك جماعة، وأنا صليت في بيتي جماعة، إذاً: نغلق المسجد، ما عاد له ضرورة. قال: لا، لا يمكن، نغلق بيت الله؟ إذاً: من يصلي في بيت الله؟ إذا أنا -المسلم- صليت في بيتي، وأنت -المسلم- صليتَ في بيتك، إذاً: نطلب من النصارى أن يعمّروا لنا المسجد، وأن يأتوا إليه للصلاة فيه لئلا يُغلق! نطلب من اليهود؟ نطلب من الملحدين أن يعمُروا بيت الله؟ إذا نحن –(المسلمون)- لم نعمر بيت الله فمن يعمره؟
"إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر، وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين". /التوبة 18/
المسجد بيتنا، ونحن مطالبون بعمارته، ومطالبون بارتياده خمس مرات في كل يوم، خمساً وثلاثين مرة في الأسبوع، لا مرة واحدة في صلاة الجمعة، خمساً وثلاثين مرة في الأسبوع على الأقل. قال: (ما هذه) على الأقل؟ مازال هناك أكثر؟ هناك أكثر إذا صارت فرصة لصلاة نافلة، ربما تذهب إلى المسجد لصلاة الكسوف أو صلاة الخسوف، ربما تذهب إلى المسجد لحضور مجلس علم، على الأقل خمساً وثلاثين مرة في الصلوات المفروضة.
في كل يومٍ خمس مرات إلى باب المهيمن نستجيب صفوفا
هي شعيرة من شعائر المجتمع المسلم، شدد النبي عليه الصلاة والسلام في أمرها، ولم يرخص لأحد أن يتركها إلا في عذر شديد كالأعذار التي بينتها، حتى الرجل الأعمى الذي لا يعرف طريقه إلا بصعوبة، لم يرخص له النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلي في بيته، وهذا دليل على الوجوب، دليل على وجوب صلاة الجماعة. جاءه هذا الرجل، ويُروى أنه سيدنا عبد الله بن أم مكتومٍ رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، إني رجل أعمى – عدُّوا كم (عذراً لديه، هذا رقم واحد) - وليس لي قائد يقودني – (صارا اثنان)، وبيني وبين المسجد أوحال وأطيان (صاروا ثلاثة)، أفتأذن لي أن أصلي في بيتي؟
(لا يقول له: يا رسول الله، أريد أن أترك الصلاة، يقول الله: أريد أن أصلي، ولكنْ في البيت. قال: نحن بدون أن نستأذن قررنا أنه لا مشكلة إذا صلينا في البيت، بدون أن نأخذ رخصة شرعية، لأننا نظن أنه أمر زائد عن الحاجة، أي: الذي يصلي في المسجد أعطاه الله العافية، (بارك الله به)، أي شيء جيد، ولكنه ليس أمراً ضرورياً. إذا صلى في البيت جاز، وإذا صلى في المسجد جاز، ولكنْ في المسجد ثوابه أعظم، معظم الناس هكذا يظنون، في المسجد أثوب، لا يعلمون أن الصلاة في المسجد أمر ضروري ولا عذر في تركه.
إذاً، قال: يا رسول الله، أنا رجل أعمى، وليس لي قائد يقودني، وبيني وبين المسجد أوحال، أفتأذن لي أن أصلي في بيتي؟ أذن له النبي عليه الصلاة والسلام، قال: نعم، ثم انصرف. فلما انصرف قال له النبي عليه الصلاة والسلام: أقبل، دعاه للرجوع. في بعض الروايات، أنه بعد أن أذن له النبي عليه الصلاة والسلام جاءه سيدنا جبريل، وراجعه في هذه الفتوى، قال: كيف تأذن له أن يصلي في بيته؟ ادعه، لا يجوز له أن يصلي في بيته إذا كان يسمع النداء. دعاه النبي عليه الصلاة والسلام، فرجع عبد الله بن أمّ مكتوم الأعمى، قال له رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: أتسمع النداء؟
(الحد الفاصل بين الوجوب وعدم الوجوب في حقك هذا الأمر، إذا كنت تسمع الأذان، فلا أستطيع أن أسمح لك أن تصلي في بيتك، وأما إن كنت لا تسمع الأذان فبيتك -إذاً- بعيد جداً عن المسجد، فعندها قد تسقط عنك صلاة الجماعة).
قال: أتسمع النداء؟ قال: نعم. فقال عليه الصلاة والسلام: إذاً فأجب. (تغيرتِ الفتوى). إذاً فأجب، (يجب عليك أن تجيب).
وفي رواية، قال له: لا أجد لك رخصة، (لا أجد لك رخصة). / 9 /
الرخصة مم تكون؟ من السنن؟ أم من الفرائض والواجبات؟ الرخص تكون من الواجبات، هذا دليل على وجوب صلاة الجماعة.
إذاً، أمرها خطير. لم يفوّت الصحابة الكرام رضوان الله عليهم صلاة الجماعة إلا للعذر الشديد. سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يحدث في بعض رواياته أنه كان يأتي إلى المسجد فيعرف انصرافهم من صلاة العصر بأصوات التكبير، بأصوات التسبيح، بأصوات الذكر، قال: هذا يعني أنه جاء إلى المسجد بعد انقضاء الصلاة، إذاً، فوّت صلاة الجماعة، هذا أمر خطير. لقد تكلم العلماء كثيراً عن تفسير هذا الحديث، تصوّروا! تكلموا: كيف يأتي إلى المسجد فيعرف انصرافهم بأصوات التسبيح؟
إذاً: هم انصرفوا من الصلاة، إذاً فوّت صلاة الجماعة! كيف يكون ذلك؟ هل معقول أن يفوّت صلاة الجماعة؟ هذا غير معقول، فنتج معهم أن سيدنا عبد الله بن عباس فوّت صلاة الجماعة، وذلك قبل البلوغ، لأنه كان صبياً صغيراً غير مكلف. (هذا هو) الحالة الوحيدة التي يُفَسّر الحديث بها، فقط لأنه غير بالغ. فهذا عذره في أنه وصل المسجد بعد انقضاء الصلاة، أما لو كان بالغاً فلا يمكن، صحابي ويترك هذا الواجب لغير عذر، ويأتي بعد انقضاء الصلاة إلى المسجد، ونرى سيدنا عبد الله بن عباس بعد سنوات طويلة، بعد عشرات السنين من هذه القصة، عندما صار شيخاً كبيراً كيف كان يتعامل مع صلاة الجماعة.
لمّا كبر سيدنا عبد الله بن عباس كُفَّ بصره، صار أعمى، فعرض عليه الطبيب الدواء. طبعاً، طلب من الطبيب أن يعالجه، وهناك بعض أشكال العمى له علاج، وحتى كان العلاج معروفاً عند المسلمين. قال له الطبيب: أعالجك، وتُشفى بإذن الله، ولكن لي عندك طلب: لا تخرج من البيت لمدة أسبوع. (وهل أقل من ذلك؟ إذا تعرض الرجل لعملية جراحية صغيرة يحتاج أن يقعد في البيت شهراً ربما، فهذا يعالج له بصره، بعالج له عيونه، وهل أقل من أن يقعد في البيت طريح الفراش مدة بقدر أسبوع، لا يتعرض للضوء، لا يتعرض للحركة، للذهاب والإياب). قال: أسبوع، لا تخرج من البيت، فقال سيدنا عبد الله بن عباس: وصلاة الجماعة! قال: صلّ في بيتك. (هذا الأسبوع فقط، تدبر أمرك، صلّ في البيت). قال: أسمع المؤذن ينادي إلى الصلاة والفلاح، ولا أجيب! لا والله، فآثر أن يبقى أعمى لئلا يفوّت صلاة الجماعة لمدة أسبوع ويصلي في بيته.
سبحان الله العظيم! كيف كانوا يعظمون شعائر الله، وكيف صرنا نستهين بها.
كيف كانوا يعظمون الفروض، ويعظمون النوافل، ويعظمون الآداب، وكيف صرنا نستهين بالفروض فضلاً عمّا سوى ذلك.
كانوا يعلمون فضيلتها وأهميتها، اسمعوا ما يقول سيدنا عبد الله بن مسعود رضوان الله عليه في أهمية صلاة الجماعة كما روى ذلك الإمام مسلم في صحيحه:
يقول سيدنا عبد الله بن مسعود: "من سرّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً" (انتبهوا إلى الأمر كم هو خطير)
من سرّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهنّ".
سبحان الله! إذاً، حتى تضمن أن تبقى مسلماً عليك أن تحافظ على صلاة الجماعة، حتى تضمن حسن الخاتمة عليك أن تحافظ على صلاة الجماعة.
"من سرّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهنّ".
(أي في المسجد، ليس في أي مكان). قال: إذا صليت في غير المسجد أجزأك وسقط الفرض. يقول صلى الله عليه وسلم: "جُعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً فأينما أدركتك الصلاة فصلّ". لكنْ، هذا أمر مقبول إذا كنتَ مسافراً، إذا كنت في مكان لا يوجد فيه مساجد، وهذا يحدث في كثير من البلاد الأجنبية، المدينة كلها قد لا يوجد فيها مسجد، وقت صلاة الجمعة يسافرون ليصلوا الجمعة لئلا يخسروا هذه الفضيلة، ولكنْ في الأوقات العادية غير متيسّر. طبعاً، المسلمون إذا وُجد فيهم عدد كاف لإقامة صلاة الجماعة ولم يسعوا في إقامتها في هذه المدن فهم آثمون. عليهم أن يستأجروا مكاناً، يشتروا مكاناً ليخصصوه مسجداً يقيموا الجماعة فيه، وإلا فهم آثمون.
إذاً، قال: "حيث يُنادى بهنّ."
"من سرّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهنّ، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته" – (احفظها إذاً، الذي يصلي في بيته اسمه متخلف)، "ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم".
(إذاً: قال سنّة، سيدنا عبد الله بن مسعود يقول: سنة، وليست فرضاً).
السنة هنا بمعنى الطريقة وبمعنى المنهج، لا بمعنى الحكم الشرعي الذي هو أمر يُثاب المرء على فعله ولا يأثم على تركه، لا.
السنة هنا منهج وطريقة، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: "من رغب عن سنتي فليس مني"، أي عن منهجي وطريقتي.
"ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم"، أي لحدتم عن منهجه وطريقته.
"ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتُنا" – أي رأيت جماعة الصحابة في أيام المصطفى صلى الله عليه وسلم- "ولقد رأيتنا ولا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق".
في زمان الصحابة لم يكن مسلم صادق يتخلف عن صلاة الجماعة، فقط المنافقون، وليس كل المنافقين، حتى صغار المنافقين يواظبون على صلاة الجماعة. فقط المنافقون الكبار المشهورون، (أي الذين انتشرت رائحتهم النتنة، المفضوحون بين الناس، هؤلاء فقط يتساهلون في صلاة الجماعة).
"ولقد رأيتنا ولا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يهادى بين الرجلين"، يأتي الرجل إلى المسجد يتمايل، يُهادى أي يتمايل، يسنده رجل من اليمين ورجل من الشِّمال،" حتى يُقام في الصف"، ليصلَ إلى المسجد ويؤدي صلاة الجماعة، لشدة مرضه يتمايل بين رجلين ولا يفوّت صلاة الجماعة.
"ولقد كان الرجل يؤتَى به يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف". انتهى قول سيدنا عبد الله بن مسعود. / 10 /
انظر إذاً إلى قدر تعظيمهم لهذه الصلاة، ودرجَ على هذا التابعون من بعد الصحابة، ولكنْ "لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه".
قلّ الاهتمام بصلاة الجماعة حتى وصلنا إلى هذا الحال المزري.
اسمعوا ما حدث في أيام سلطان العلماء، العز بن عبد السلام رضوان الله عليه.
جرى بين العز بن عبد السلام وبين مليك زمانه نفور ومشاحنات بسبب أن مليك زمانه خالف شرع الله، واستعان بالفرنجة الكافرين لمحاربة أخيه المسلم. ملك بلاد الشام يحارب ملك مصر، ويستعين الأخ على أخيه بالفرنجة، فقام السلطان العز بن عبد السلام- سلطان العلماء- وأفتى بعزل الملِك عن المُلْك وبتجريده من السلطنة، فغضب الملك غضباً شديداً، صار يهدد ويتوعد العز بن عبد السلام ليتراجع عن فتواه، ولكنه رفض. أرسل الملك إلى العز بن عبد السلام مبعوثاً يعرض عليه بعض العروض:
عرض عليه عرضاً أول هو أن يتراجع عن هذه الفتوى، والعرض الثاني إذا أراد ألا يتراجع عن الفتوى وكان مصرّاً عليها فينبغي أن يعتذر من الملك ويقبّل يده. إذا لم يقبل بهذا ولا بذاك فينبغي أن يمكث في بيته ولا يخرج من البيت مدة من الزمن ولا يختلط بالناس، مقصد الملك أن ينسى الناس فتواه، يُجري عليه حصاراً وحظر تجول.
قال العز بن عبد السلام: أما الأمر الأول، فلا يمكن أن أتراجع عما قلتُ، لأنني قلت الحق ولا أتراجع عنه. وأما أن أعتذر إليه وأقبّل يده، فيا قوم: أنتم في واد وأنا في واد. والله إني لا أرضاه أن يقبّل يدي، فكيف أقبل يده، لا أسمح له أن يقبّل يدي لأنه في تقبيله ليدي يتشرّف، لستُ أنا الذي أتشرّف. عندما تقبّل يد والدك فوالدك لم يستفد منك ولم يتبارك بك. أنت الذي أخذتَ من بركته وأخذتَ من فضله وذكّرته بأن يقول لك كلمة: (رضي الله عنك)، أنت الذي استفدتَ بذلك.
قال له: أنا لا أرضاه أن يقبل يدي، إذا قبّل يدي فهو المستفيد، أنا لا أستفيد منه شيئاً.
"والله لا أرضاه أن يقبّل يدي فكيف أقبّل يده". (أنتم لم تفهموا أبداً ما الأمر).
وأما أن أمكث في بيتي ولا أخرج فليس إلى هذا سبيل، أسمع المؤذن ينادي إلى الصلاة ولا ألبّي! لا أستطيع. (ليس بيدي، الأمر ليس في متناول يدي، يقول: حي على الصلاة، وأنا جالس في البيت ولا أخرج! لا أستطيع).
(كيف نستطيع نحن يا تُرى؟ والله إنه لأمر عجيب. نحن نستطيع، هم لا يستطيعون.
لماذا؟ قال: نحن أبطال! نحن بدون إحساس، نسمعه كل يوم خمس مرات ينادي: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وما من مجيب، أما هؤلاء القوم فشخصيتهم ضعيفة، لا يستطيعون إلا أن يخرجوا! طبعاً على النقيض من ذلك).
هم أصحاب الشخصية القوية وأصحاب البطولة يتركون الراحة ويتركون الاسترخاء ويتركون العمل ويتركون التجارة تلبية لنداء الله، أما نحن فلا بأس. نصلي صلاة الجماعة، ولكنْ في أوقات الفراغ، في أوقات الفراغ.
أما أن نترك العمل ونترك الدراسة لنذهب إلى المسجد؟ قال: لا.
(ولكن، أليس كما قيل: العمل عبادة؟ العمل عبادة عندما يوضع في وقته)، أما إذا وضع في وقت صلاة الجماعة فيصير معصية، (لم يعد عبادة)، فيصير مثلك كمثل الذي يقوم بنافلة في وقت الفريضة. (مثل واحد-كما قيل- في حياته لم يفوّت صلاة الضحى، إنسان حريص جداً على الفضائل، حريص على السنن، لا يجوز أن يفوّت صلاة الضحى في أي يوم كان، ولكن لا يصلي الصبح. قيام الليل! لا يجوز أن يفوت قيام الليل، ولكنْ يتساهل في صلاة العشاء! يتساهل في أمرها. كيف يكون ذلك؟ هل يجوز أن يصلي قيام الليل ويترك العشاء؟ لا يجوز). أصلاً، قيام الليل يبدأ وقتها بعد أداء صلاة العشاء. (قال: ولكنْ قيام الليل أليس لها فضل كبير، لا يحب تركها. كيف يكون ذلك؟ يقوم بالنافلة ويترك الفريضة؟). كذلك الذي يقول العمل عبادة ويترك صلاة الجماعة.
(نقول له: العمل عبادة، ولكن بعد أن تؤدي صلاة الجماعة وتعود، وتعمل في وقت العمل، يكون العمل عبادة). أما إذا كان العمل في وقت صلاة الجماعة فإنه قد يصير معصية، فاحذر من ذلك.
كان الواحد من السلف الصالح إذا فوّت صلاة الجماعة يعزّيه الناس. مرّة أحدهم فوّت صلاة الجماعة فلم يعزّه أصحابه، (أي كانوا قد بدأوا يتساهلون في هذا الموضوع، قبل مدة قصيرة كان قد مات ولده، فجاءه الناس يعزونه، فلما فوّت صلاة الجماعة وما عزَّوه حزن حزناً شديداً وقال، انتبهوا إلى ما قال، قال: مات ولدي فجاءني الناس يعزونني، وفوّتُّ صلاة الجماعة ولم يعزّني أحد؟ (ماذا فهمتم من هذا الكلام؟ بالنسبة له، تفويت صلاة الجماعة مصيبة أعظم بكثير من موت الولد، (ولكن الناس غير واعين. من أجل موت الولد-هذا الأمر البسيط- أتوا لتعزيتي، فوّتُّ صلاة الجماعة، ولم يعرفوا أن هذه المصيبة أكبر بكثير ولم يأتوا لتعزيتي!).
مات ولدي فجاء الناس يعزونني، فوّتُّ صلاة الجماعة ولم يعزّني أحد. أمرهم عجيب، كيف -هكذا- لا يعرفون قدر هذه الفريضة، هذه الشعيرة.
تعرفون أن السلف الصالح كانوا يعرفون قيمة صلاة الجماعة أكثر منا، ولكنْ تعرفون من يعرف قيمة صلاة الجماعة أكثر منا أيضاً؟ أعداؤنا اليهود يعرفون قيمة صلاة الجماعة الإسلامية أكثر منا، يعرفون قدر صلاتنا أكثر مما نعرفها.
واحد هو من كبار زعمائهم، على ما أظن هو (بن غوريون) أو غيره قال: لا يمكن أن يغلبنا المسلمون، ولا يمكن أن نخاف من المسلمين إلا إذا حدثت أمور ثلاثة:
إذا رأيناهم ينتظمون في رتل نظامي لشراء الخبز، وإذا رأيناهم ينتظمون في رتل للصعود إلى الحافلات، (انظر إلى الناس عندما يريدون الصعود إلى الحافلة، يكون فيها أمكنة لعشرة أشخاص، ومئتا شخص ينتظرون على موقف الحافلة، هذا صار له ينتظر نصف ساعة، وهذا صار له ينتظر ربع ساعة، ولا يوجد دور، فلحظة وقوفها، الشاطر هو الذي يسبق أولاً، فيدفع الناس ليؤمّن مكاناً له ولا يمكّن غيره من ذلك. قال: هذه فوضى، ولكن هذه الفوضى لها دلالات، أهم هذه الدلالات الأنانية، كل واحد يعيش من أجل نفسه، قال: عندما ينتظمون في دور، يكون هناك احترام للآخرين وإيثار، عندما يقول له: تفضل، أنت كبير في السن، يقول له: لا، أعوذ بالله، اصعد أنت، يمكنني الانتظار، لا يهم، ربما تكون في عجلة من أمرك، أنا متقاعد، يقول له: لا والله، بل تصعد أنت، أخشى أن يكون أولادك في انتظارك، يقول: لا لا أبداً، بل لا بد أن تصعد أنت، يمكنني الانتظار هنا وتسلية نفسي ريثما تصل الحافلة التالية. عندما نصبح هكذا فعندها يخافنا الآخرون، أما الآن فلا يخافنا أحد، بل يضحكون منا، الآن يضحكون منا ولا يخافون، نجعل الأمم تضحك علينا عندما ينظرون إلى أحوالنا، على الحياة التي نعيشها كحياة الغاب، كل واحد يقول: نفسي، ومن بعدي الطوفان.
قال: هكذا تعرّفنا على أمرين، ماذا عن الثالثة؟ يخاف منا اليهود إذا حدثت ثلاثة أمور، كانت هاتان النقطتان الأوليان، والثالثة؟ قال: وإذا صار عدد المصلين في صلاة الفجر بعدد المصلين في صلاة الجمعة، حينذاك نخاف منهم، أما الآن في صلاة الفجر أين هم؟ نائمون، إذاً، لا يخيفوننا، دعهم يناموا، عندما ينتبهون إلى أمرهم، عندما يقومون إلى صلاة الفجر يكونون قد انتبهوا إلى أمرهم، عندها يكونون قد عرفوا من هم وما هي مسؤوليتهم، حينها يخيفوننا، عندما يصير عدد المصلين في صلاة الفجر بعدد المصلين في صلاة الجمعة.
الآن المساجد كثيرة وكبيرة وتوسَّع، ولكن لم؟ من أجل وقت واحد في الأسبوع، من أجل وقت واحد. المسجد -قال- لا يتسع، يحتاج إلى توسيع، نقول: حسناً. نذهب فننظر إلى المسجد في صلاة العشاء صف أو صفان، في صلاة الفجر خمسة أو ستة أشخاص، ربما عشرة أشخاص، نقول: والله إنه ليسع المصلين، يقول: ولكنْ في صلاة الجمعة؟
هؤلاء الذين يأتون إلى صلاة الجمعة فقط ولا يتسع المسجد لهم، فلا تهتم لهم، فليصلوا في الشارع، فليصلوا تحت الشمس. إذا كانوا لا يأتون إلى المسجد إلا في وقت صلاة الجمعة فلا حاجة أن يسعهم المسجد. عندما يمتلئ المسجد في الأوقات العادية عندها يحتاج إلى توسيع، نعم نوسعه ليتسع لهؤلاء المصلين، أما الآن نوسعه من أجل رجل يأتي فقط مرة في الأسبوع، لا والله لا يحتاج، لن ننفق الملايين من أجل الناس الذين لا يأتون إلا مرة في الأسبوع، هؤلاء فليصلوا تحت الشمس. وفي الغالب، الذين يأتون متأخرين ويصلون تحت الشمس هم الذين يأتون فقط إلى صلاة الجمعة، أما الذين يأتون إلى باقي الصلوات فهم يبكرون، ويجدون لأنفسهم مكاناً في الصفوف الأولى، فلذلك هؤلاء الذين لا يأتون إلا في وقت صلاة الجمعة لا نحتاج أن نوسع المسجد من أجلهم. فلا تحتاج المساجد إلى توسيع وتكبير إلا عندما تمتلئ في أوقات الصلوات الخمس.
إذاً: عندما يصير المصلون في صلاة الفجر بعدد المصلين في صلاة الجمعة.
قال: وصلاة الفجر- إذاً- لها خصوصية تتميز عن بقية الصلوات. يقول النبي عليه الصلاة والسلام في فضل العشاء والفجر في المسجد: "لو يعلم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً". / 11 / لو يعرفون ما في صلاة العشاء وصلاة الفجر في الجماعة لأتوا إلى هاتين الصلاتين ولو زحفاً لئلا يفوّتوا الفضيلة ويفوّتوا الأجر.
"لو يعلم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً"، وقال عليه الصلاة والسلام في بيان ثقل هاتين الصلاتين في المسجد على المنافقين: "أثقل صلاة على المنافقين الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً". / 12 /
"أثقل صلاة على المنافقين الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً".
فالذي يصلي صلاة العشاء في المسجد وصلاة الفجر في المسجد يُكتب له قيام أجر الليل كاملاً، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله". / 13 /
ومن فضائل صلاة العشاء والفجر في المسجد أن الذي يواظب عليهما يكون- إن شاء الله- من أهل النور يوم القيامة، الذين قال الله تعالى فيهم: "نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا". / التحريم 8/
يقول في ذلك سيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه: "بشر المشّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة". / 14 /
"بشّر المشّائين" أي المواظبين الذين يكثرون المشي، "في الظلم": أي في العشاء والفجر، "إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة".
وفي فضل صلاة الفجر مع صلاة العصر يقول عليه الصلاة والسلام: "من صلى البردين دخل الجنة" / 15 /، والبردان هما صلاة الفجر وصلاة العصر.
والذي يصلي الصبح في جماعة له حصانة وله أمان طوال اليوم، فهو في حماية الله وحفظه وحرزه، في ذلك يقول صلوات الله وسلامه عليه: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله" / 16 /، وفي رواية: "من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله"، أي لا ينبغي أن يسيء إليه أحد أو يظلمه أحد لأنه محميّ بحماية الله.
يُروى أن الحجاج بن يوسف الثقفي- على رغم الظلم، على الرغم من سفك الدماء وتقييد الحريات الذي كان يقوم به- كان يراعي هذه المسألة، فإذا أراد أن يعدم إنساناً يتأكد، إن صلى الصبح في جماعة فيتركه إلى اليوم التالي، لا يقتله في ذلك اليوم، وذلك لأنه في ذمة الله.
"من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه الله من ذمته بشيء ثم يدركه يعذبه"، فكان الحجاج لا ينتهك ذمة الله لإنسان صلى الصبح في جماعة.
ومن صلى الصبح في جماعة فله فضيلة عظيمة إذا بقي إلى طلوع الشمس في ذكر وعبادة وتلاوة للقرآن وحضور لمجلس علم في المسجد، ففي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس أحب إليّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس أحب إليّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل". / 17 /
وبذلك، ترون أننا واظبنا على مجلس علم في كل يوم، من بعد الفجر ومن بعد العصر، ولو كنا في العصر لا نبقى إلى المغرب، ولكنْ لعل الله يكتب لنا الفضيلة.
إذاً: الفجر والعصر وقتان متميزان، يقول صلى الله عليه وسلم في فضيلة هذا الوقت المبارك ما بين الفجر وطلوع الشمس، وفضل اغتنامه في الذكر والطاعة وتلاوة القرآن وحضور العلم: "من صلى الصبح في جماعة، ثم قعد يذكر الله". (انتبه! في جماعة حصراً). "من صلى الصبح في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس كُتبت له حجة وعمرة تامة تامة تامة". / 18 /
تصّور! كم فضل الحج؟ "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". / 19 /
كم فضل العمرة؟ "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". / 20 /
هذا الوقت الذي نشهده الآن، هذا المجلس الذي تحضرونه الآن تأخذون به أجر حجة وعمرة كاملتين". "من صلى الصبح في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس كُتبت له حجة وعمرة، تامّة، تامة، تامة"، لا تأشيرة، ولا دفع أموال، ولا مشقة.
طبعاً هذا لا يُسقِط فرض الحج، تأخذ به أجر الحج وأجر العمرة، ولكن لا يسقط عنك الفرض.
(قد يقول أحدهم: يوماً ما قعدت في المسجد من صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فلا حج علي! نقول: لا، هذا لا يسقط الفرض، ولكن تأخذ به الفضيلة وتأخذ به الأجر والثواب).
إذاً: اقدِروا صلاة الجماعة قدرها، وأنزلوها منزلتها، ولا تتساهلوا فيها، وبيّنوا للناس هذه الحقائق التي بينتها لكم، لأنها مجهولة عند معظم المسلمين، حيث يظنون أن صلاة الجماعة أمر زائد، من قام به أُجِر، ومن لم يقم فلا حرج عليه. عرّفوهم بخطورة التساهل في صلاة الجماعة وبأهمية المواظبة عليها، وذكّروهم بها في كل وقت، وحاولوا أن تكونوا سبب خير.
خذ صاحبك، خذ أخاك، خذ جارك، شجّعه إلى المضي إلى صلاة الجماعة، شجعه على المضي وخذ بيده واصطحبه معك إلى صلاة الجماعة، فإن قام كل وحد منا بهذا مع إنسان واحد تضاعف العدد، وبعد مدة يتضاعف العدد مرة أخرى حتى تعود هذه الشعيرة كما كانت، شعيرة إسلامية اجتماعية لا يقصّر فيها ولا يتأخّر عنها أحد من المسلمين الحريصين على رضوان الله وإقامة شريعته.
نسأل الله أن يجعلنا من جملة المتحابين فيه، المتناصحين فيه، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
**********

الملفات الصوتية
الملف الأول28.49 MB
الملفات النصية
الملف الأول41.9 KB
أرسل هذه الصفحة إلى صديق
اسمك
بريدك الإلكتروني
بريد صديقك
رسالة مختصرة


المواضيع المختارة
مختارات

[حسن الظن بالله]

حسن الظن بالله يعني أن يعمل العبد عملاً صالحاً ثم يرجو قبوله من الله تعالى ، وأن يتوب العبد إلى الله تعالى من ذنب عمله ثم يرجو قبول الله تعالى لتوبته ، حسن الظن بالله هو ذاك الظن الجميل الذي يأتي بعد الفعل الجميل.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : {لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى.}
قال سبحانه في الحديث القدسي :{ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني } أنا عند ظن عبدي بي فإذا ظننت أنه يرحمك وأخذت بأسباب الرحمة فسوف يرحمك ، وأما إن يئست من رحمته وقصرت في طلب أسبابها فإنه لن يعطيك هذه الرحمة لأنك حكمت على نفسك والله تعالى سيحكم عليك بما حكمت أنت على نفسك .