مواضيع متنوعة > الموسيقا الإسلامية > الفن في الإسلام
الفن في الإسلام

الفن: كلمة صارت تجمع تحتها في هذا الزمان كل حابل ونابل، وصار يُخلط فيها بين الغثّ والثمين حتى صارت كلمة الفن تعبِّر عن الفساد غالباً، وصارت تهمة لامرئ ما أن يُقال عنه فنان. بينما نعرف الفن في لغة العرب كلمة ترادف العلم أحياناً، وتكون قسيمة له أحياناً أخرى. فالأمور الإبداعية علوم وفنون، فالعلم ما يكون منوطاً بالعقل، والفن ما يكون منوطاً بالجوارح في الغالب.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدنا علماً وعملاً وفقهاً في الدين. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وعملاً صالحاً متقبَّلاً. اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة. اللهم اهدِنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيّئ الأخلاق لا يصرف عنا سيئها إلا أنت. اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ما نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم. اللهم تقبَّل منا ما كان صالحاً، وأصلح منا ما كان فاسداً، وأصلح فساد قلوبنا، وأصلحنا ظاهراً وباطناً يا مصلح الصالحين. اللهم إنا نسألك نفوساً بك مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك. اللهم لا توجِّه قلوبنا إلا إليك، ولا تجعل اعتمادنا إلا عليك. اللهم أخرج من قلوبنا كل ما لا يرضيك عنا، اللهم أخرج من قلوبنا كل ما لا يرضيك عنا، اللهم أخرج من قلوبنا كل ما لا يرضيك عنا. اللهم اجعلنا مخلِصين لك، اللهم واجعلنا خالصين لك، اللهم واجعلنا مخلَصين منك، بفضلك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقرّبنا إلى حبك. اللهم اجعلنا هادين مُهْتَدين، غير ضالين ولا مُضلِّين، سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك. اللهم اجعلنا أذلّة على المؤمنين، أعزّة على الكافرين. اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم. ونسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل ونيّة واعتقاد، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ونية واعتقاد، وما قضيت لنا من أمر فاجعل عاقبته رُشْداً برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم عرّفنا قدرك فنعبدك حق العبادة، ونرجوك حق الرجاء، ونخافك حق الخوف، ونحبك حق الحب. وعرفنا مقادير عبادك فننزل كل واحد منزلته، ولا نغمط أحداً حقه. وعرفنا مقادير أنفسنا فلا نجاوزها، ولا نستكبر ولا نطغى. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم بفيضك العميم عمَّنا، واكفنا اللهم شر ما أهمَّنا وأغمَّنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنَّة جمعاً توفَّنا، نلقاك اللهم وأنت راضٍ عنا، نلقاك اللهم وأنت راضٍ عنا، نلقاك اللهم وأنت راضٍ عنا. اللهم افتح بخير، واختم بخير، واجعل عاقبة أمورنا إلى خير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
نقطتع من دروس الفقه هذا الدرس لنكلّمكم اليوم عن مصطلح انتشر في العصور الحديثة لم يكن معروفاً في سالف العصور في لغة العرب، وصار يدل على مدلولات لم يكن يدل عليها في اللغة السالفة، ألا وهو الفن. كلمة صارت تجمع تحتها في هذا الزمان كل حابل ونابل، وصار يُخلط فيها بين الغثّ والثمين حتى صارت كلمة الفن تعبِّر عن الفساد غالباً، وصارت تهمة لامرئ ما أن يُقال عنه فنان. بينما نعرف الفن في لغة العرب كلمة ترادف العلم أحياناً، وتكون قسيمة له أحياناً أخرى. فالأمور الإبداعية علوم وفنون، فالعلم ما يكون منوطاً بالعقل، والفن ما يكون منوطاً بالجوارح في الغالب. فالعلم يحتاج إلى نظر، والفن يحتاج إلى عمل. وربما أطلقوا الفن في بعض الحالات على علم من العلوم إذا كان فيه إبداع، إذا كان فيه تعقيد. وأما اليوم فإن كلمة الفن صارت تعبِّر عن انحراف وفساد وفسق في غالب الأحوال. فهناك الموسيقى والغناء، وهناك النحت والتصوير. هناك الرسم وما يدخل فيه من حلال وحرام، وهكذا فنون وفنون. منها ما يُسمَّى بالفنون الجميلة، ومن الفنون الجميلة ما يسمى بالفنون التشكيلية. ولا بد عند الحكم على مصطلح ما ألا نتسرّع، وألا نحكم على المصطلح إلا بعد التعرف على مضمونه وفحواه. فلربما كان المصطلح بحد ذاته سيئا،ً ولكنْ يُطلق على أمور حسنة، وربما كان العكس، وربما كان الجوّ المحيط بهذه الأفعال جواً سيئاً، ولكنْ تكون هي بجوهرها ومضمونها أموراً لا بأس بها. لذلك الحكم على مصطلح ما لا بد من أن يعتمد الشمول والاستيعاب. قبل الحكم، قبل أن نصدر الحكم على زيد من الناس نتعرف عليه، ندرس شخصيته، نبلوه، نعامله، نتعرف على بيئته حتى إذا أصدرنا حكماً ما كان حكماً أقرب إلى الإنصاف، أبعد عن الجور. وكما الحكم على الأشخاص الحكم على الأفعال والمصطلحات.
كلمة الفن تضم بين ثناياها أموراً تشترك في صفة واحدة هي الجمال. فهي أمور لا يُراد بها تغذية الفكر، ولا يُراد بها زيادة العلم. إنما يُراد بها مخاطبة النفس التي تعشق الأشياء الجميلة. والجمال نفهمه من وجهين: الوجه الأول هو الجمال العامّ، وهو الذي قد يتفق عليه الناس على اختلاف أديانهم وألوانهم. والنوع الثاني هو الجمال الخاص الذي يتبناه المسلم بما يوافق دينه. فعندنا الجمال هو ما جمّله الشرع، الحسن ما حسّنه والقبيح ما قبّحه. وهذا - النوع الثاني من الجمال - أدقّ من النوع الأول. لأنه يندر أن نجد اتفاقاً إنسانياً عاماً على مسألة جمالية ما. ثمة اختلاف بين الشعوب، وربما اختلاف بين الأشخاص في الشعب الواحد، هل هذا جميل أم قبيح؟ وهذا أمر فطري طبيعي لأن الإنسان يميل إلى أشياء قد لا يميل إليها غيره. فعلى سبيل المثال مصطلحات الجمال اليوم تُطلق على ما كان السابقون يعتبرونه قبيحاً، وما كان جميلاً في السابق قد نعتبره اليوم قبيحاً. خذ على سبيل المثال أشكال الألبسة. أجدادنا كانوا ينظرون إلى بعض أشكال الألبسة على أنها قبيحة فمن العار أن يرتديها المرء. فإذا ارتداها إنسان رأوه إنساناً قبيحاً. اليوم انتشرت بكثرة فصارت مظهراً من مظاهر الجمال. بعض الألوان، كان المرء إذا لبس هذا اللون يُنظر إليه على أنه سيئ الذوق، فاسد الذوق، لا يمتلك حساً جمالياً. هل يلبس أحد مثل هذا اللون؟ هل يلبس أحد الأحمر أو الأصفر أو البنفسجي؟ اليوم أصحاب الذوق الرفيع، في عرف الناس، هم الذين يلبسون هذه الألوان. إذاً مقاييس الجمال لم تختلف فحسب بل إنها انقلبت. فما كان قبيحاً تماماً صار جميلاً تماماً، صار أجمل ما يمكن. تصوّر اليوم رجلاً يلبَس الشروال ويخرج إلى الشارع، يسخر الناس منه خاصة إن كان شاباً، وإن كان في بيئة متمدّنة كما يسمّونها، ليس في حيّ من الأحياء الشعبية، فاجأهم يوماً من الأيام عوضاً عن البدلة الإفرنجية وربطة العنق خرج إليهم بالشروال، يقولون: ما أقبح هذا المشهد، ما أقبح هذا المظهر. أفي السابق كان هذا زينة يتزيّى بها عليّة القوم، مظهراً من مظاهر الجمال، كان هذا اللباس، وهكذا. إذاً في مجتمع واحد، في ظرف سنوات معدودة انقلبت مقاييس الجمال. وبين المجتمع والمجتمع تختلف كثيراً هذه المقاييس.
على سبيل المثال، في مجتمعاتنا اليوم ينظرون إلى الأشقر على أنه جميل مثلاً أجمل من غيره. أخبرني أحد أبنائنا، وهو أمريكي، قال لي: عندنا، طبعاً في كل بلد الناس بيتخذو واحد يعني جماعة معينة يسخرون منهم، بطالعو عليهون نكت، بعملو عليهون قصص وحكايا متل ما بعملو عنا عالحماصنة الله يعينون ويساعدون. في مصر بيحكو على الصعايدة وهكذا، قلي: نحن في أميركا الشقران هنن أصحاب هذه السخرية. يعني بس واحد كان أشقر هذا بصير مسخرة الناس كلون، هذا قبيح يُعتبر. إذاً مقلوبة المسألة. إذاً بين مجتمع ومجتمع تنقلب مقاييس الجمال. في بعض قبائل إفريقيا المرأة اللي سنينا فرق هذه أجمل من غيرها، بعض القبائل تتكون سنينا الأمامية مقلوعة حتى تكون جميلة. بعض قبائل أفريقيا المرأة اللي لها شعر هذه قبيحة، ينبغي أن تكون حليقة الشعر، حليقة الرأس، (قرعة) ليرغب بها الرجال. يضعون زينة في أنوفهم وآذانهم، ما بعري إش دأسميا هي، طوق، حلق، سنارة، ما بعرف أش دأسميا، خاتم حتى تصير المرأة جميلة. نحن إذا شفنا واحد هيك عامل إلا امرأة هيك عاملة قد نصاب بالقرف ربما من بعض المشاهد التي فيها تغيير لخلق الله سبحانه وتعالى. في الصين المرأة الجميلة هي المرأة صغيرة القدمين، كل ما كانوا أجريها أصغر فهذه أجمل. هيك مقاييس الجمال لا أكثر. لذلك منذ أن تولد للمرء طفلة يضع قدميها في قوالب من حديد، بفصلولا حذاء حديد بحيث يعيقون نمو القدمين. بتكبر المخلوقة بصير عمرها يعني عمر ناضج، بتصير بالغة ناضجة، نمرة أجرها عواض ما تكون 38 39 بتكون 25. إذاً مقاييس الجمال تتنوع وتختلف فليس هناك جمال ثابت يعم الإنسانية جمعاء. في أوربا الآن بعض الأقوام يرون الجمال أن يفتحوا في رؤوسهم شوارع، وأن يكتبوا أسماءهم وعناوينهم، مشان ما يضيعو، على رؤوسهم من حيث حلاقة الشعر. نحن منشوفو شي مقرف الحقيقة من هذه المظاهر. إذاً ليس هناك جمال عام لذلك نعتمد المقاييس الخاصة بنا للجمال لأننا نمتلك دستوراً علّمنا الجمال الحقيقي لأنه جاء من ربنا سبحانه وتعالى، وهو الذي وصفه سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (إن الله جميل يحب الجمال). لذلك كل ما أنزل الله تعالى في شرعه جميل، يفرض الجمال ويحرّم القبح. فمقاييس الجمال التي نمتلكها أكثر دقّة من مقاييس غيرنا. إذاً ليست هناك مقاييس عامة مطَّردة في كل الإنسانية، إنما هناك مقاييس تختلف بين أمة وأخرى. مقاييسنا هي الأصح لأنها تعتمد الوحي المنزل من الله سبحانه وتعالى. (إن الله جميل يحب الجمال)، وللحديث مناسبة: فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يحذر من الكِبْر: (لا يدخل الجنة رجل في قلبه مثقال ذرة من كبر). قالوا: يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس). جمال الثوب لا يدخل في الكبر، إنّما الكبر مسألة قلبية داخلية لا ترتبط بالمظهر الخارجي بالضرورة. الكبر بطر الحق: أي أن ترد الحق إذا خالف هواك، إذاً أنت متكبر. وغمط الناس: أي أن تنظر للآخرين بأنهم دونك في المستوى، وأنك خير منهم، إذاً أنت متكبر. إذاً الكبر مسألة داخلية، وأما من حيث الظاهر فينبغي للمسلم أن يكون جميلاً لأن الله جميل يحب الجمال.
من هنا كل ما يقال عن الفنون الجميلة ينبغي أن يُضبط بضوابط الشرع الإسلامي، فما كان موافقاً للشرع الإسلامي فهو فن جميل. والإسلام لم يُحرِّم الفن، ولم يُحرِّم الجمال بل إنه دين كامل، دين متكامل، دين لم يدع في حياة الإنسان شيئاً نافعاً إلا ورتّبه، إلا وفرضه أو أباحه. إذاً جعل الإنسان يعيش في فسحة. فهناك أمور مفروضة مذكورة محددة، وهناك أمور متروكة مباحة، متروكة لتطور الحياة. فإذا تطوّر الإنسان، وتطوّرت حياته، وتشعّبت مسالك هذه الحياة، فالإسلام لم يحرّم عليه أن يطور حياته، وأن يطور نفسه تبعاً لتطور حياته بما لا يخالف هذا الشرع. (إن الله حدّ حدوداً فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيّعوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها). فهناك فروض، وهناك محرَّمات، وهناك مباحات تتعادل فيها الإشارات. فهي متروكة لا موجبة ولا سالبة.
من الفنون الموسيقى والغناء، والموسيقى والغناء فنّان جميلان. هذا لا يخفى، ولكنْ ينبغي أن يُضبطا ويُحدّدا.
فالموسيقى فن يخاطب النفس، يخاطب الروح هذا لا يهّم، المهم أنه أمر ممتع. الإسلام لم يحرِّمه على الإطلاق، ولكنه حرّم بعض مظاهره، وأباح بعض مظاهره. فحرّم المعازف أي الموسيقى الصنعية التي ترتبط غالباً بالمعاصي من شرب خمور ونساء وذكر للفواحش، ولو لم ترتبط المعازف بهذه المحرمات فمن باب سد الذرائع، الإسلام حرّم المعازف أوّلاً لأنه يصعب أن نضبط المسألة، متى تكون الموسيقى، الآلات الموسيقية مباحة أو محرَّمة؟ فالإسلام حرّم العازف على الإطلاق، واستثنى من ذلك الدُّف، وذلك في الأعراس كما جاء في الحديث: (أعلنوا النِّكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف). كما رُوي في حديث مشهور المتن. وأما بقية المعازف فمحرَّمة للحديث: (ليكوننّ من أمّتي قوم يستحِلُّون الحِرى والحرير والخمر والمعازف)، كما روى البُخاريّ تعليقاً، وكما أسند أبو داوود بسند صحيح.
بقي من الموسيقى شيء أباحه الإسلام وحضّ عليه هو الموسيقى الطبيعية. حرّم الموسيقى الصُّنعية الممثلة بالمعازف، وأباح الموسيقى الطبيعية من زقزقة العصافير، وأصوات خرير المياه، ومن الصوت الإنساني المجرَّد الذي يسمعه رجل من رجل أو رجل من امرأة من المحارم. فإن الصوت الحسن أمر حضّ الإسلام عليه كما جاء في الحديث: (إن الله ليزيد القرآن بالصوت الحَسَن حُسْناً). وكما جاء في الحديث: (زيّنوا القرآن بأصواتكم)، وفي رواية: (زيّنوا أصواتكم بالقرآن).
الأصوات الطبيعية تغني عن الأصوات الصُّنعة. اليوم نجد المخرجِين السينمائِيين، وصنَّاع الأفلام وما إلى هنالك يقولون: لا نستطيع الاستغناء عن الموسيقى، ومنهم من يصنعون أفلاماً هادفة، إسلامية ربما، تربوية ربما، ليس فيها شيء من الحرام إلا الموسيقى. يقولون: لا نستطيع الاستغناء عن هذه الموسيقى. بلى يستطيعون، وثمّة نماذج من أفلام إسلامية كانت المؤثرات الصوتية فيها كلها أصواتاً طبيعية. قرع طبل أو ضرب دف هذا مباح. ما زاد على ذلك، زقزقة عصافير، أصوات حيوانات في الغابة، زئير أسد، عواء ذئب، نباح كلب، مواء قطة كل هذا مباح. وقد كان ذلك ناجحاً عند كثيرين أنتجوا أفلاماً سينمائية، أفلام الصور المتحركة للأطفال أو غيرها.
إذاً الإسلام أباح الفن الذي يُسمَّى الموسيقى ضمن جانب ما، وحرَّم الحيِّز الآخر من الآلات الموسيقية. فلا ينبغي أن يُقال: الإسلام حارب الفن، إنما الإسلام نظّم الفن. الإسلام نظّمه، وجعله هادفاً، وجعله منضبطاً، ولم يسمح له بالتفلُّت، ولم يسمح له أن يسلك طريق الإضلال والإغواء.
الغناء فن من الفنون الجميلة قد يرتبط بالموسيقى وقد يُجرَّد عنها. والنبي عليه الصلاة والسلام هو خير من يحس بالجمال، ومن يقْدر الجمال قدره. فلذلك كان عليه الصلاة والسلام يحب الصوت الحسن الجميل لأنه عليه الصلاة والسلام يقدّر الفن، ولكنْ بالمصطلح الأصلي للفن لا بمصطلحات أهل هذا الزمان. هذا الزمان اختلفت فيه الفنون، فإذا كانوا يقولون: الجنون فنون. فينطبق على هذا الزمان أن نقول: الفنون جنون. فلقد صار الفن بعيداً عن العقل، بعيداً عن الفطرة، بعيداً عن الفضيلة. فرسول الله عليه الصلاة والسلام يحب الصوت الجميل. يستمع الغناء! نَعَم يستمع الشعر، ويستمع الغناء أيضاً، ولكنْ ضمن الحدود الشرعية التي تتوافق مع الجمال الشرعي، الجمال الفطري. فهو عليه الصلاة والسلام يستمع إلى الشعراء وهم ينشدون. كعب بن زهير بن أبي سلمى رضوان الله عليه، حسان بن ثابت رضوان الله عليه، عبد الله بن رَوَاحة رضوان الله عليه. كانوا شعراء مبدعين مجيدين، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يستمع إلى أشعارهم، ولربما أجازهم على هذه الأشعار كما أجاز كعب بن زهير فكافأه على قصيدته ببردته الشريفة صلى الله عليه وسلم عندما جاءه معتذراً فاعتذر إليه بالشعر لا بالنثر، لم؟ لأنه يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام صاحب نفس جميلة، يحب الجمال، فأتاه من قِبَل الفنون الجميلة، فأنشده:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيَّم إثرها لم يُفْد مكبول
وأنشد وأنشد حتى وصل إلى عقدة القصيدة:
أُنبئْت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
فقام عليه الصلاة والسلام وكساه بردته. كان عليه الصلاة والسلام يعرف قدر الجمال، وقدر الفن. السيدة عائشة في البيت تغنّي، ومعها صاحباتها يغنين، والنبي عليه الصلاة والسلام لا ينكر عليهن لأنهن صغيرات، ولو كنّ بالغات لكانت أصواتهن المغنَّاة عورة لا يجوز له صلى الله عليه وسلم استماعها، الاستماع إليها. ولكن كنّ صغيرات جويريات، لذلك لم ينكر عليهن الغناء. فلم يكن ثمّة امرأة بالغة أجنبية، ولم تكن آلة من آلات المعازف المحرَّمة. إنما هو صوت جميل وكلمة طيبة من فتيات صغيرات. بل إنه عليه الصلاة والسلام كان يعلِّم في بعض الأحوال بعض الكلمات، يعطيها للغناء. كان عليه الصلاة والسلام يضع بعض الكلمات للغناء، والملحِّن السيدة عائشة رضي الله عنها. تذهب السيدة عائشة رضوان الله عليها، يقول لها: يا عائشة إن الأنصار يعجبهم القول بحبو الغناء فهلا أنشدت:
أتيناكم أتيناكم فحيُّونا نحييكم
ولولا الحبّة السمرا ء لم نحلل بواديكم
كان يعلّمها أن تغنّي، وكان يعطيها الكلمات التي تغنّيها، والبقية عليها.
إذاً هذا دين لا يحرِّم الفن، ولكنّه ينظّمه كما قلت. بين أن يحرم وأن ينظم فارق كبير.
كان عليه الصلاة والسلام يحب أن يسمع الصوت الجميل في تلاوة القرآن الكريم، يختار صاحب الصوت الجميل ليقرأ القرآن عليه، فها هو يقول: (اقرأ علي القرآن يا أبي). يقول: يا رسول الله أقرأه وعليك أنزل؟ قال: (إني أحب أن أسمعه من غيري)، فقرأ من سورة النساء، وأشجى النبي عليه الصلاة والسلام بصوته الجميل حتى بلغ: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}. قال: (حسْبُك). قال: فالتفتُّ فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان.
يسمع أبا موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو يقرأ القرآن فيقف مترنّماً مستمتعاً بهذا الصوت الجميل فضلاً عن القرآن، جمال القرآن، فيقول: (إن أبا موسى قد أُوتي مزماراً من مزامير أبي داوود)، وفي اليوم التالي يقول له:{يا أبا موسى لو رأيتني وأنا أستمع إلى تلاوتك البارحة} قال أبو موسى، وهو الذي عرف أن النبي عليه الصلاة والسلام يحب الصوت الجميل، أي قال: (يا رسول الله، لو علمت ذلك لحبَّرت لك تلاوتي تحبيراً)، لكنت بالغت في تزيينها و تجميلها وتحسين صوتي فيها.
فكل ذلك يدلّ على أن الإسلام دين جمال، ودين لطف، ودين ذوق رفيع. هذا من حيث الصوت الحسن، وأما الرسم فإن الإسلام لم يحرمه، والنحت كذلك لم يحرمه الإسلام إنما نظّمه، فقال عليه الصلاة والسلام: (أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة المصوِّرون)، أي النحَّاتون، وأراد بهم النحاتين الذين يصنعون صور الأشخاص الأحياء، وصور الحيوانات منحوتة في الصخر أو في الخشب أو في غيرهما. وأما إذا نحت غير الحيوان والإنسان فإن الإسلام لم يحرم ذلك. فعند المسلمين طابَع جمالي خاص بهم. جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: (إن صنعتي التصوير - يعني النحت - أتكسّب بها، وليس لي سبيل رزق غيرها). أخبره بأنها حرام، قال: (ليس لي سبيل رزق غيرها). قال: (فعليك بالنبات والشجر وما لا روح فيه) (عليك بالشجر وما لا روح فيه). لذلك صرنا نرى هذا الطابع الإسلامي في عمارات المسلمين. صرنا نرى الزخرفة، صرنا نرى الزخرفة بالخط العربي، والخط العربي قِمّة من قمم الفنون الجميلة لا يشبهها فنون الرسامين في أوربا أو في غيرها. في اليابان رجل ياباني افتتح مدرسة لتعليم الخط العربي، وهو لا يعرف أن يفرِّق بين حرف وحرف، رسم فقط، يدرِّس رسم. لا يعرف ماذا يكتب. وهو مبدع، إذا نظرت إلى ما يكتب ظننته عربياً أصيلاً. لا يعرف ما هو الفرق بين الباء والتاء والثاء، وكيف يُلفظ هذا الحرف وكيف يلفظ. ينظر إلى اللوحة فيقلّدها ثم يبدع وهكذا. يرسم الحرف رسماً. لأنهم رأوا في هذا الخط العربي خطاً مشبعاً بالروح، وليس جامداً كغيره من الخطوط. إذاً فهو فن بحد ذاته. فترى في بنايات المسلمين وفي عماراتهم فنوناً رائعة مضبوطة ليس فيها صور حيوانات ولا صور أشخاص، وليس عندهم تماثيل لرجال، ولكنّ عندهم زخارف نباتية وحروفاً عربية صنعوا منها نموذجهم الخاص، نموذجاً فنياً متفرِّداً.
الرسم تبَعاً للنحت يُحرَّم فيه رسم الأحياء، ويباح فيه غير ذلك. وكثيرون من الرسامين المبدعين لا يحتاجون إلى رسم أحياء، لا يرسمون إلا طبيعة صامتة أو سماء وأنهاراً وبحاراً فيبدعون في ذلك، إلا الرسم للأطفال فإني أقول: (يُباح فيه رسم الأحياء). وذلك لأن الرسم للأطفال صار ضرورة تربوية في هذا الزمان. فالطفل صار يرى أمامه كثيراً مما يجذبه إلى ما ينفع أو يضر. أحرى بالمسلمين أن يجذبوا الطفل إلى دينه من خلال الرسم. وقع بيدي كثير من توراة وإنجيل باللغة العربية ولغات أخرى موجَّهة للأطفال. إذاً غير المسلمين يبذلون كل الطرق لاستقطاب الأطفال والشباب. أفلام كرتون، التوراة مساوينا أفلام كرتون، الإنجيل مساوينو أفلام كرتون. نحن لا يُباح لنا أن نفعل هذا بالقرآن، ولكن ينبغي ألا نهمل الأطفال. والرسم لهم، وإن كان رسماً لأحياء فهو جائز. ما هو الدليل الشرعي على ذلك؟ الدليل الشرعي أنه حتى التصوير يُباح إن كان للعب الأطفال. فقد كان للسيدة عائشة رضي الله عنها دمىً تلهو بها في بيتها، هذا لا ينطبق عليه حديث: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة} لأن الدمية ممتهنة غير معظمة، فلا بأس إذاً باتخاذها وإن أشبهت التمثال في أنها صورة لكائن حي لإنسان أو حيوان. وهكذا رسوم الأطفال تبعاً للعب الأطفال مباحة مستثناة من تحريم رسم الأشخاص الأحياء أو الكائنات الحية الأخرى من الحيوانات، فلا بأس في هذا. إذاً الإسلام عنده نظرية متكاملة في الجمال، نظرية فنية متكاملة يمكن أن بعضاً تكلّموا، فيها ولكن جاوزوا الصواب إلى الشطط، فأباحوا بعض المحرَّمات، أباحوا أحياناً الموسيقى، وأباحوا أحياناً الرسم على إطلاقه والنحت على إطلاقه. ويمكن أن بعضهم تكلّموا بها، فجاوزوا الاعتدال إلى الشطط، فحرّموا بعض المباحات، فحرموا التصوير الفوتوغرافي وليس بحرام، وحرموا الرسم على إطلاقه وليس على إطلاقه بحرام، وربما تكلموا عن الإسلام كدين جامد جاف لا يتوافق مع هذه الحضارة مع أنه هو الذي يصنع الحضارة. إذاً نحن نحتاج إلى وضع نظرية فنية إسلامية متكاملة نبيّن فيها حقائق بيّنة في الإسلام، ولكنها غائبة عن كثير من المسلمين، نظرية، نحتاج إلى وضع نظرية معتدلة تبيّن الحقّ، ولا تميل عنه لا في إفراط ولا في تفريط حتى يعلم القاصي والداني أن الإسلام دين حضارة متكاملة لم يغب عنه أبداً جانب على حساب جانب، بل إنه كما راعى أمور العقيدة والعبادة والمعاملات والاقتصاد والقانون والقانون الدولي والجهاد والحروب، كل ذلك لم يشغله عن الاعتناء بالجمال وعن الاعتناء بالفن، ولكنّ فن الإسلام فن حقيقي، وليس كالفن الذي في هذا الزمان. فن الإسلام يبني الفضيلة، أما الفن بالمصطلح الحالي في هذا الزمان فإنه فن يدعو إلى الرذيلة.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يحسنون فهم دينهم، ويحسنون الدعوة إليه. والحمد لله رب العالمين.
*******

أرسل هذه الصفحة إلى صديق
اسمك
بريدك الإلكتروني
بريد صديقك
رسالة مختصرة


المواضيع المختارة
مختارات

[حسن الظن بالله]

حسن الظن بالله يعني أن يعمل العبد عملاً صالحاً ثم يرجو قبوله من الله تعالى ، وأن يتوب العبد إلى الله تعالى من ذنب عمله ثم يرجو قبول الله تعالى لتوبته ، حسن الظن بالله هو ذاك الظن الجميل الذي يأتي بعد الفعل الجميل.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : {لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى.}
قال سبحانه في الحديث القدسي :{ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني } أنا عند ظن عبدي بي فإذا ظننت أنه يرحمك وأخذت بأسباب الرحمة فسوف يرحمك ، وأما إن يئست من رحمته وقصرت في طلب أسبابها فإنه لن يعطيك هذه الرحمة لأنك حكمت على نفسك والله تعالى سيحكم عليك بما حكمت أنت على نفسك .