مواضيع متنوعة > التدخين
التدخين

البراهين الكثيرة على تحريم الإسلام للتّدخين منتشرةٌ في كتاب الله، وفي سنّة النّبيّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، فشرعنا مليءٌ بالنّصوص الّتي تدلّ على أحكامٍ شرعيّةٍ كافيةٍ لكلّ الأمور المستجدّة، إن لم يكن التّدخين موجوداً في عصر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فهذا لا يعني إنّ الإسلام قد أغفله، يقول تعالى: { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ }.......

التدخين
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم على سيّدنا محمّدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عادةٌ فشتْ في المجتمع من زمنٍ طويلٍ، ورَغم أنّ المجتمع يتّجه نحو زيادةٍ في الوعي، فإنّ هذه العادة تزداد انتشاراً وتفاقماً، عادةٌ يراها البعض مجرّد عادةٍ سيّئةٍ، بينما يعُدّها أصحاب الاطّلاع جريمةً عظيمةً، إنّها عادة التّدخين، الّتي أهملها كثيرون من المصلحين، واهتمّ بها كثيراً الغرب - رغم كفره - لأنّ الغرب حريصٌ على مصلحة مجتمعه من النّاحية الصّحيّة المادّيّة، وإن كان يسعى إلى إفساد مجتمعه من النّاحية المعنويّة والرّوحيّة، والتّدخين أيُّها الأحبّة ضرره المادّيّ على الجسم البشريّ أكبر بكثيرٍ من أن نستطيع استقصاءه في هذه العجالة، والعجب العجاب: أن تسمع مسلماً يدّعي أنّه يفقه شيئاً ما في الإسلام يقول: ( إنّ التّدخين ليس محرّماً، وإنّه في أسوء الأحوال مكروه، أو مكروهٌ تحريماً )!!
الّذي يقول هذا إمّا أنّه لا يفقه شيئاً من مضارّ التّدخين، وإمّا أنّه لا يفقه شيئاً في الإسلام، وإمّا أنّه معاندٌ مكابرٌ يريد أن يبرّر الخطأ بطريقةٍ فجّةٍ؛ بحيث أنّه ليبرّر ارتكابه للخطأ يُريد أن يجعل الخطأ صواباً! ويقلب الحقيقة!!
لا ينبغي أن يقول مسلمٌ: ( التّدخين ليس بحرام )، لأنّ في هذا أوّلاً وقبل الإساءة إلى عقله، والإساءة إلى فهمه للإسلام.. في هذا إساءةً لدينه الّذي ما ترك خبيثاً إلا وحرّمه.
الّذي يقول: ( إنّ الإسلام لا يحرّم التّدخين )، كأنّه يقول: ( إنّ الإسلام دينٌ يُبيح الخبائث.. )، وكأنّه يقول: ( إنّ الإسلام دينٌ يتعارض مع العقل.. )، وكأنّه يقول: ( إنّه دينٌ يتنافى مع الفطرة.. ).
الّذي يقول: ( إنّ الإسلام يبيح التّدخين )، يجعل الإسلام عُرضةً لاتّهاماتٍ شنيعةٍ من غير المسلمين، بحيث يقولون: ( دينٌ يُبيح التّدخين!! دينٌ لا يتوافق مع العقل ).
الغرب الّذي لا يعترف بالدّين يُجنّد جهوداً كبيرةً جدّاً، يضع هذه الجهود في سبيل القضاء على هذه الظّاهرة الفاسدة، ثمّ نأتي نحن فنقول: ( إنّ ديننا يتوافق مع العقل، ومع هذا فإنّه لا يحرّم التّدخين )!!! فهذا غير مفهومٍ أيُّها الأحبّة.
البراهين الكثيرة على تحريم الإسلام للتّدخين منتشرةٌ في كتاب الله، وفي سنّة النّبيّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، فشرعنا مليءٌ بالنّصوص الّتي تدلّ على أحكامٍ شرعيّةٍ كافيةٍ لكلّ الأمور المستجدّة، إن لم يكن التّدخين موجوداً في عصر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فهذا لا يعني إنّ الإسلام قد أغفله، يقول تعالى: { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } ، ويقول تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } ، فالإسلام دينٌ كامل، لم يدع شيئاً مهملاً، إمّا أنّه نصّ عليه، وإمّا أنّه وضع القاعدة الّتي يُقاس هذا الشّيء عليها، بحيث لا يبقى شيءٌ يحتاج الإنسان معرفة حكمه مهملاً غائب الحُكم في الإسلام.
لم يُعرف التّدخين في بلادنا ( في العالم القديم ) إلا بعد اكتشاف العالم الجديد ( القارّة الأمريكيّة ) على يد "كريستوف كولومبس" في عام ألفٍ وأربع مئةٍ وستّةٍ وتسعين، فإنّه رأى الهنود الحمر يدخّنون هذه النّبتة الخبيثة ( التّبغ ) فقلّدهم، ثمّ أتى بهذه النّبتة إلى أوربّا، وانتشر التّدخين هناك، وبعد ذلك ( بعد القرن السّابع عشر، بحدود القرن السّابع عشر وما بعده ) وصل التّدخين من أوربّا إلى بلانا بلاد العرب المسلمين، وما يأتينا الخُبثُ إلا من قِبَلِ أولئك القوم، فشعبنا شعبٌ طيّبٌ يستورد الخبث استيراداً، ويصدّر الطّيبات الّتي عنده للشّعوب الأخرى، وهذا ما حدث عندما استوردنا منهم عادة التّدخين، وتعلّمنا منهم زراعة التّبغ الّذي لم يكن معروفاً عندنا، ولكنّ القرآن الكريم فيه نصوصٌ كثيرةٌ يقاس التّدخين عليها، ويُعرف أنّه محرّمٌ من خلالها، أوّل هذه النّصوص قول الله سبحانه وتعالى:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} ، ولو سألت أيّ عاقل: التّدخين طيّبٌ أم خبيثٌ؟ لما تردّد في الجواب، أقول لو سألت أي عاقل.. لأنّك قد تسأل إنسانٍ لا عقل عنده فيقول لك: ( التّدخين طيّب، وأنا استمتع به كثيراً )!!!، فهذا يفتقر إلى أدنى درجات العقل، لأنّ الخُبث الّذي في هذه السّيجارة مُتعدّد الأوجه كثيراً، بدءً من النّبتة الّتي صُنعت منها، وانتهاءً بالمعالجة الّتي مرّت بها هذه النّبتة، حتّى صارت سيجارة.
نبتة التّبغ أيُّها الأحبّة تكاد تكون أخبث أنواع النّباتات، الخمر يصنع من العنب، والعنب نبتةٌ طيّبةٌ ولكن تتحوّل إلى مشروبٍ خبيثٍ بعد معالجةٍ معيّنةٍ، لتصير خمراً يحرُم شربه، ويؤدّي إلى أضرار، أمّا السّيجارة فهي مصنوعةٌ من التّبغ، والتّبغ في أصله نبتةٌ خبيثةٌ، ومن هذا الوجه يصير هذا التّدخين، أو تصير هذه السّيجارة شرّاً من الخمر من حيث الأصل، فأصل الخمر طيّبٌ ثمّ صارت خبيثة، وأمّا أصل السّيجارة فهو خبيث، ثمّ استمرّت خُبثاً وزادت خُبثاً بعد أن صُنعت!!
نبتة التّبغ أيُّها الأحبّة نبتةٌ خبيثةٌ بكلّ المعايير، أخبرني كثيرٌ من رعاة الأغنام: أنّ أغنامهم نتحاشى أن تأكل من نبتة التّبغ، فإذا وُجد أمامها أنواع كثيرةٌ من النّباتات فإنّها تأكل أشكالاً ملوّنة دون تدقيق، ودون تفريق.. إلا نبتة التّبغ فإنّها تتجنّبها ( تتحاشاها )..
والمعروف عند مربّيّ النّحل أنّ النّحل يقف على أنواعٍ كثيرةٍ من الأزهار، ليصنع من رحيقها هذا الشّراب الطّيب المبارك، ولكنّ النّحل لا يقف على نبتة التّبغ ( لا يقف على أزهار نبات التّبغ ) لأنّ الله تعالى صنع في هذه النّحلة شرباً طيّباً، ولا يمكن أن يتولّد هذا الشّراب الطّيب من نبتة التّبغ الخبيثة!! { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } ، تتجنّب النّحل نبتة التّبغ!!
وأخبرني كثيرٌ من المزارعين: أنّ الأرض الّتي تُزرَع فيها نبتة التّبغ لا تصلح لزراعة أيّ شيءٍ آخر فيها، معلومٌ أنّ الأرض يمكن أن تتنوّع فيها أشكال المزروعات، فيزرَعُ في هذه السّنة نوعاً من الخضار، وفي السّنة القادمة نوعاً آخر، في هذه السّنة البطاطا وفي السّنة القادمة الطّماطم، وهكذا.. غير أنّه إذا زَرَعَ نبتة التّبغ في هذه الأرض، فإّنها لن تعود صالحةً لزراعة نوعاً آخر من النّباتات، ( تُفسِد الأرض الّتي تُزرَع فيها )، وقد مررت ببعض المناطق الّتي تنتشر فيها حقولٍ التّبغ، فشعرت بكربٍ وغمٍّ في المنطقة، وشعرت أنّ الظّلام مخيّمٌ على هذه المنطقة الّتي تُزرع فيها هذه النّبتة، ولعلّها تُصدر إنبعاثاتٍ - الله أعلم- تغيّر الجوّ!، المهمّ أنّ النّبتة خبيثةٌ في أصلها.
وعندما تُحوَّل هذه النّبتة إلى لفافة التّبغ ( إلى السّيجارة ) فإنّها لا تقتصر على الشّرور والخبائث الّتي كانت فيها يوم كانت نبتةً في الأرض، بل يُضاف إليها خبائث كثيرة، حتّى تصير هذه السّيجارة الصّغيرة الّتي لا تزن غراماتٍ قليلة خلاصةً لشرور وخبائث لا تُعدّ ولا تُحصى، يبلغ عدد الموادّ السّامّة فقط داخل هذه السّيجارة ما بين أربع ألاف وخمسة ألاف مادّة!! فقط الموادّ السّامّة!! وهذه الموادّ قد أحصيت، ودُوِّنت أسماؤها وقدّمت في تقريرٍ رسميٍّ إلى "الكونغرس الأمريكيّ"، وذلك بعد شكاواتٍ عديدةٍ من قِبَل بعض المدخّنين على شركات صنع الدّخان، (وشركات صنع الدّخان الكبرى كما تعلمون في أمريكا، الّتي تصنع كبريات أنواع الدّخان في أمريكا )، تقدّموا بشكوى يريدون أن يتعرّفوا فيها على الموادّ الدّاخلة في تكوين هذه السّيجارة، لأنّهم يدخّنون شيئاً لا يعرفونه، ويترتّب على ذلك أضرارٌ خطيرةٌ جدّاً، وفي كثيرٍ من الحالات أخذ أناسٌ متضرّرون من التّدخين ملايين الدّولارات من تلك المعامل، ودفعت لهم المعامل، واستمرّت بالإنتاج، لأنّها تحصد أرباحاً تَعدِل أضعافاً مضاعفة ( مليارات الدّولارات.. داخل أمريكا وخارجها ), ونوع الدّخان الّذي تُرسله إلينا مختلفٌ عن نوع الدّخان الّذي يُباع عندهم، فهناك رقابةٌ شديدة وينبغي أن تكون السُّميّة في الدّخان الّذي يُباع في بلادهم ضمن حدودٍ قانونيّةٍ لا يجوز أن تتجاوزها, وأمّا الّتي تُرسل إلى بلادنا فكلّما زادت سمُّيتها شجعتهم حكومتهم على ذلك!! لأنهَّم يريدون قتلنا بكلّ الأشكال, ويريدون محاربتنا بكلّ الأشكال, وهذا سلاحٌ من الأسلحة الكثيرة الَّتي يستخدمونها ضد شعوبنا.
المهمّ, طلب "الكونغرس" من شركات الدّخان الكبرى في أمريكا أن ترفع إليه تقريراً بالمواد الّتي تَدخل في تكوين سجائرهم فكانت الطّامَّة, خمسة آلاف مادةٍ سامَّة, دُونت أسماؤها ونُشرت, ومن ضمن هذه المواد كثيرٌ من السّموم المعروفة, وكثيرٌ من مُبيدات الحشرات, وكثيرٌ من المواد الكيماويّة العالية السُّميّة, الّتي يحظُر استخدامها منفردة, ولكنّها تُستخدم داخل هذه السّيجارة!!.
الخُبث الّذي فيها واضح.. الطّفل الصّغير إذا شمَّ رائحتها يتضرّر وينزعج ويَنفِر حتى ولو كان المدخّن أباه, هاتِ إنساناً بدوياً لا يعرف شيئاً من فنون الحضارة, قدّم إليه شيئاً من المنتجات الحضاريّة الحديثة من حلويّات أو أطعمةٍ فاخرة ليتذوقها فإنّه لن يرفض, وعندما يذوقها سوف يَستسيغها ويطلب المزيد, ولكن حاول أن تُقنعه بالسّيجارة لأوّل مرّة, سوف يقول لك: أَيُّ إنسانٍ عاقلٍ يفعل بنفسه هذا؟!.
الإنسان الفطريّ يُميّزُ بين الطّيب والخبيث, ولا يمكن أن يَرى هذه السّيجارة الخبيثة شيئاً طيّباً، إلا عندما يكون ذوقه خبيثاً.. ويعتاد عليها فَيفْسُد ذوقه بزيادة.. عندها يمكن أن يقول هي طيبة, بمعنى أنَّها متوافقةٌ مع ذوقه الخبيث، ولا عجب فالخبيث والخبيث يتوافقان, ولكن الإنسان الطّيّب الذّوق السّليم الفطرة لا يمكن أن يستسيغ هذه السّيجارة الخبيثة.
أبرز المكونات لهذه السّيجارة النِّيكوتين, والنِّيكوتين أيُّها الأحبّة هو المادّة الّتي تؤدّي إلى الإدمان على السّيجارة, فهو مادةٌ إدمانيّةٌ من فصيلة المواد الإدمانيّة الشّهيرة: الهيروئين, الكوكائين, المورفين...، والنِّيكوتين واحدٌ من هذه الأسرة الخبيثة الّتي انتشرت كمخدّرات قاتلة إدمانيّة؛ والنِّيكوتين كذلك فيه هاتان الخصلتان, فهو مادةٌ قاتلةٌ ومادة إدمانيّة على حدٍّ سواء, انتشاره في الدّم يؤدّي إلى اعتياد الجسم عليه وطَلبه لزيادةٍ أكثر وأكثر منه, وهذا الّذي يجعل المدخّن غير قادرٍ على الإقلاع عن التّدخين بسهولة, لقد اعتاد على هذه المادّة, لقد صار يُشبه مدمن المخدّرات, بل هو مدمن مخدّرات في الحقيقة, ولكنَّ نسبة المُخدّر الّتي يتناولها قليلةٌ إذا قورنت بمدمنيّ المخدّرات المحترفين, فهم يُدمنون الحشيش أو الأفيون أو الكوكائين.. وهو يُدمن النِّيكوتين؛ والنِّيكوتين أيُّها الأحبّة - للعلم - إذا أُفرد عن السّيجارة وتُنُووِّل بنسبةٍ تماثل ما يتناوله مُدمنو المخدرات الأخرى، فإنّه لا يقلّ إدمانيّةً وسُمّيّةً عنها، بل إنّه من أخطرها، يعني لو أخذ مُدمن الكوكائين مثلاً نسبةً مماثلةً لما يأخذ من الكوكائين من النِّيكوتين منفرداً لكان ضرر النِّيكوتين أكبر من غيره, ولكن النِّيكوتين يُمزج ببقيّة المواد الّتي في السّيجارة ولذلك يبقى ضرره مُوزّعاً، وقد جرّب بعضهم أن يحقنوا أرنباً حيّاً صحيحاً معافىً بكميّة نيكوتين تعادل الكميّة الموجودة في علبة سجائر واحدة فمات الأرنب لتوِّه, إذا عندما تُكثَّف هذه المادّة وتعطى جرعةً واحدة تظهر آثارها القاتلة, ولكن عندما تُوزَّع تكون آثارها القاتلة موزّعة كذلك على المدى البعيد, إذا هو مادةُ قاتلةٌ سامّة, الّذي يتناولها وهو عالم بهذا فهو مُنتحر بشكلٍ أو بآخر.
في هذه السّيجارة من الخبائث القَطِران, والقَطِران أيُّها الأحبّة مادّةٌ سامّةٌ أيضاً قاتلة أيضاً، وإن كانت أدنى سُمّيّةً من النِّيكوتين, ولكنَّ الله جلّ وعلا قد ذكرها في القرآن الكريم, لم يذكرها بأنَّها طعام أهل الجنة, ولم يذكرها بأنَّها من نعم الله على العباد أنَّه خلق لهم القَطِران كما خلق لهم الفاكهة والنّخل والرّمان, ولكنَّه ذكرها على أنَّها عقوبة أهل جهنّم!, وليست عقوبة أهل جهنّم بأن يأكلوها, لا, بل يَلبسونَها! فقال تعالى: } سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ { ، فرق ما بين المدخّن وأهل جهنّم أنَّ المدخّن يبتلع القَطِران.. وأمَّا أهل جهنَّم فيكتفون بأن يلبسوا القَطِران, المدخّن يستعمل القَطِران استعمالاً داخلياً.. وأهل جهنّم يستعملونه استعمالاً خارجيّاً, فالمدخّن يفعل بنفسه أشدّ ممّا يفعل الله بأهل جهنَّم!! طبعاً ليس من كلّ الأوجه, من هذا الوجه فقط, من وجه الاستعمال الدّاخلي والخارجي.
المواد إذاً كثيرةٌ جدّاً، ولعلّ من المفيد أن نطبعها وننشرها بأسمائها؛ ليعلم كلّ امرءٍ ماذا يأكل وماذا يتناول عندما يُدَّخّن, وعندما تسمح له نفسه الّتي خَبُثت فاستساغت الخُبث أن يتناول مثل هذه المادة الخبيثة.
إذاً الله جلّ وعلا يُحلّ الطّيبات ويحرّم الخبائث, وما أعجب جواباً سمعته من مدخّنٍ مكابرٍ عنيدٍ.. قلت: له الدّخان طيّب أم هو خبيث؟ قال: ( بالنّسبة لي طيّب )!! نعم أيُّها الأحبّة إذا فسد الذّوق رأى الخبيث طيّباً, كما أنَّ الزّاني تسأله عن الزّنى يقول أنا أتلذذ بالزّنى..! إذا بالنّسبة له الزّنى طيّب, وشارب الخمر بالنّسبة له الخمر طيّب يستلذ به, ولكن ألا يوجد معيار ثابت للطّيب والخبث؟ بلى, على حَسْب المعيار الثّابت الأصلي: ( السّيجارة خبيثة ), أمّا عند الّذين فَسَد ذوقهم وابتعدوا: ( السّيجارة طيّبة )..! ابتدعوا عن الذّوق السّليم، بحيث أنَّ الإنسان المحايد يقبل طيّبات وإن لم يكن معتاداً عليها من قبل، ولكن لا يقبل السّيجارة إذا لم يكن معتاداً عليها من قبل.. وهذا دليلٌ على أنَّ ذوقه يَستخبِثها, ويأنف عن تناولها, يَأنَفُ من تناولها ولا يقبلها على نفسه أبداً.
هذه الآية الأولى وهي أقوى آيات التّحريم: } الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ { .
فكلّ خبيثةٍ على الإطلاق محرّمةٌ في شرع الله, حرمّها الله تعالى ورتّب على تناولها إثماً وعقوبةً.
الآية الثّانية أيُّها الأحبَّة:
يقول تعالى: } وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * { ، والإسراف: هو إنفاق المال الكثير فيما لا يَنفع، ولا ضرورة له.
وأمّا التّبذير في الآية الثّالثة: } وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِين ِ{ , فإنّه إنفاق للمال فيما لا يَحِلّ, إنفاق المال في المحرمات, ولو نظر المدخّن إلى نفسه وما يُنفق من مالٍ في التّدخين وجمع ما يُنفق على مدى سنوات لاسْتَسخف عقله، المعدل الوسطيّ للإنفاق اليوميّ على التّدخين كم بالنّسبة للفرد الواحد؟ خمسون ليرة مثلاً, بالشّهر ألف وخمس مئة ليرة, في السّنة ثمانية عشر ألف ليرة, في ثلاثين سنة أكثر من نصف مليون ليرة سوريّة!! أكثر من نصف مليون! هذا للّذي يدخّن في اليوم بقدر خمسين ليرة.. أمّا الّذي يدخّن الدّخان العالي السّمّيّة الّذي قد تبلغ العلبة منه مئة ليرة، أو أكثر من ذلك سمّيّة, أو الّذي يدخّن علبتين أو ثلاث علب.. هذا له حساب آخر, الحدّ الأدنى نصف مليون ليرة سوريّة في ثلاثين سنة، وما من مدخَّنٍ - في الغالب - يعيش أكثر من ثلاثين سنة في عالم التّدخين, لذلك نحن نأخذ ثلاثين سنة، لأنَّ الله يَقصُف عُمُرَهُ في الغالب, وهذا من فوائد السّيجارة ( كما يقولون.. ) أنَّها لا تترك الإنسان يَشيخ ويَهرم, بل إنَّها تَقصف عُمُرَه في سنٍّ مُبكرة!.
المهمّ نصف مليون ليرة سوريّة, تصوّر إنساناً يأتي بنصف مليون ليرة سوريّة جملةً واحدةً... ويقول: ( أعطوني أوراقاً ), يقولون: ( نصف مليون ليرة سوريّة أوراق!! ), يقول: ( نعم ), يأخذ الأوراق, يقول: ( بقي عود كبريت.. )، يأخذ عود الكبريت ويرميه في هذه الأوراق!, يقولون: ( ما تفعل؟ ) يقول: ( أتلذّذ أشمُّ رائحتها )!!، ماذا نقول عنه؟ هل نقول عنه عاقل؟ هل نقول عنه ذكيّ؟ لا نقول إلا مجنون...
وما أجمل ما قال لي أحد الأخوة! قال: لي صاحب مدخّن ومع ذلك فهو ذكيٌّ جداً, وبالأحرى أن نقول: لي صاحبٌ ذكيٌّ ومع ذلك فهو يدخّن! عجيب!!, فقلت له يوماً: قلت يا فلان والله إنّي أستغرب مِنك؟ قال: لماذا؟ قال: أنت ذكيّ وتدخّن؟! عجيب!! , يعني: التّدخين فعلٌ غبيٌّ, فعلٌ أحمقٌ, فعلٌ مجنونٌ, ومع ذلك أنت تدخّن!! رغم أنَّك ذكيٌّ عاقلٌ، في أمور التّجارة وفي أمور الحياة عندك منطقٌ وعندك سَداد رأيٍ.. ومع ذلك تدخّن!! كيف يجتمع الذّكاء والغباء في شخصٍ واحدٍ؟! ذكيٌّ في أمور حياتك.. وغبيٌّ عندما تدخّن فقط, فقط عندما تدخّن تمارس فعلاً غبيّاً!! , قال: ذَّكرته بهذا ولححت عليه بهذه المعادلة غير المفهومة حتى أقلع عن التّدخين.
رجلٌ مدخّنٌ قالت له زوجته يوماً: اسمح لي بخمس مئة ليرة, قال: وما تَصنعين بها, قالت: أنا حُرّة أريد منك خمس مئة ليرة وأنا حُرّة, قال: لا بأس، أَعطاها خمس مئة ليرة, فأشعلت عود ثقاب وصارت تُحرق هذه القطعة النّقديّة, فهجم هذا الرّجل، يقول: يا مجنونة ما تصنعين؟!, فنظرت إليه مبتسمة قالت له: أنا مجنونة؟ لا!! لا!! أنا مجنونة!! « يعني هيك بدي أزعل منك » أنا المجنونة وأنت العاقل؟!, أنت كم تُحرق في كلّ شهرٍ من أمثال هذا المبلغ؟, في كلّ شهر ألفين, ثلاث آلاف ليرة سوريّة تحرقها؟!, ولكن هناك فرقٌ بني وبينك, أنا أحرقها ولا أتضرّر بها, أمَّا أنت فتُحرقها وتبتلع سموماً كثيرةً من ورائها، فإذا كنتُ مجنونةً فأنت أشدُّ جنوناً منّي!, لأنَّك لا تكتفي بِإحراقِها وتبديد قيمتها؛ ولكنَّك تُعْقِب ذلك الإسراف بأضرارٍ كبيرةٍ تُنزِلها بنفسك, بِجِسمك.
{ وَلاَ تُسْرِفُواْ }, لا شكّ أنَّ التّدخين إسراف, { إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ *{ , لا شكّ أنَّ المدخّنين مُسرفون, وإذا كان الله لا يحبّ المُسرفين فمعنى ذلك أنَّ الله لا يحبّ المدخّنين, هل ترضى أن تكون غير محبوباً عند الله تعالى أيُّها المدخّن؟
التّدخين تبذير, إنفاقٌ لمالٍ فيما يُحرم, ولو أنفقته فيما يَحِلّ لمَا كان هناك حدّ, أنفق ما تشاء، ولو أنفقت مالك كلّه وبقيت بدون مال جائعاً فلا تُذمُّ لأنَّه لا سَرف في الخير, فإذا أنفقت مالك في الخير فلست مُسرفاً.
أسألك بالله عليك أيُّها المدَّخّن الّذي يُنفق في كلّ يومٍ خمسين ليرة مثلاً كحدٍّ أدنى.. لو جاءك فقيرٌ قرع عليك الباب، قال لك: من فضلك اسمح لي بخمسين ليرة, تُعطيه؟ تقول: نعم أعطيه, جيد, أحسنت!، هذا الفقير نَفسه جاءك في اليوم التّالي قرع الباب، فتحت الباب وجدته أمامك, قال: من فضلك أعطني خمسين ليرة, تعطيه؟ قال: نعم أُعطيه, أمري لله، في اليوم الثّالث جاء الفقير قال لك: الخمسين ليرة.., هي صارت حقاً مكتسباً له, تُعطيه؟ تقول: لا.. إلى متى؟ للصّبر حدود.. مع أنَّك لو أعطيته لاستفدت من هذا العطاء، [ إنَّ الله يَقْبل صدقة أحدكم بيمينه فيربيها له كما يربي أحدكم فَلوَّه حتى تكون مثل الجبل العظيم ] ، لو أعطيته لزرعت للآخرة, ومع ذلك لا تطاوعك نفسك, فكيف تطاوعك نفسك أن تنفق كلّ يوم مثل هذا المبلغ وتسلِّمه للشّيطان؟! ثمَّ يحرقك به الشّيطان في الدّنيا.. ولا نعرف ماذا يحدُّث بك في الآخرة، كيف تقبل على نفسك ذلك؟؟!! وأنت لا تقبل أن تفعل مثل هذا في سُبل الخير!! ألا ترى كيف أنّ التّدخين فعلٌ شيطانيٌّ, وأنّه لو وضع في موضعه فعلٌ رَحمانيٌّ لما قَبِلَته نفسك، ولو كانت نفسك طيّبةً تحبُّ الطّيّبات وتكره الخبائث لاسْتسغت الإنفاق في سبيل الله ولم تستسغ تبديد مالك في مثل هذا الفعل المنكر.
آيةٌ أخرى أيُّها الأحَّبة, طبعاً نبقى في آية التّبذير: } وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِين ِ{ ، لا شكّ في أنّ المبذّرين إخوان الشّياطين, لهذا نرجع إلى أرسطو: ( مقدمة صغرى, ومقدمة كبرى، ونتيجة ):
المبذّرون: إخوان الشّياطين, والمدخّنون: مبذّرون, النّتيجة المدخّنون:... « طيّب, ما بدنا نكمّل من شان ما يزعل المدخّن, ولكن هو لحاله عَرِفَ », إذاً المدخّنون مبذّرون, والمبذّرون إخوان الشّياطين, فكلّ مدخّنٍ إذاً يتشبّه بالمبذّرين في أنَّهم إخوان الشّياطين.
المدخّن أيُّها الأحبّة لا يتوقف إضراره على نفسه, بل إنّه يتعدّى نفسه إلى المجتمع, يُضِرُّ بالمجالسين له، ويُضِرُّ بزوجته, ويُضِرُّ بأولاده... وإذا لم يُضِرَّ بأحدٍ من هؤلاء ابتعد وصار يدخّن في الصّحراء فقد لوّث البيئة, وتلويث البيئة سوف ينعكس على المجتمع كلّه.
أخبرني أحد الأخوة أنَّه في بريطانيا يمنعون أن يدخِّن الإنسان داخل بيته..، نحن نعلم أنّه في الدّول المتحضِّرة يُمْنَع التّدخين في المرافق العامّة وفي دوائر الدَّولة وفي وسائل النَّقل... ولكن أن يُمْنَع الإنسان أن يدخِّن في بيته!!, قال: نعم, وإذا دخَّن من يمنعه؟ زوجته, تتصل بالشُّرطة فتأتي الشّرطة فتقبض عليه!, لهذا لا يستطيع أن يُدخِّن إلا خارج البيت, في الشّارع... وهذا في دولٍ كثيرةٍ أخرى, نعم، حتّى عندما يدخِّن في الشّارع فهو يلوِّث البيئة, يلوِّث الهواء... وإذا جمعنا أدخّنة السّجائر الّتي هي بالملايين, لكانت الأضرار على البيئة كبيرةً جدَّاً, إذاً المدخِّن يؤذي إخوته المؤمنين الّذين يجالسونه, ومن المعلوم أنَّ نسبة المتضرِّرين بالتَّدخين من غير المدخِّنين أكبر من نسبة المتضرِّرين بالتّدخين من المدخِّنين, هؤلاء الّذين يُسَمَّون المدخّنينَ السّلبيين, أعدادهم أكبر بكثير, لأنّ المدخّن واحد, وجلسائَه كثر, بالمحصِّلة سيجارةٌ واحدةٌ دخَّنها عشرة أشخاص أو أكثر, هو إذاً يؤذي المؤمنين لا شكَّ في ذلك؟ قال: لا شكَّ في ذلك, اسمعوا ما يقول الله تعالى في كتابه العزيز: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * } , أليست هذه الآية دليلاً كافياً لوحدها على أنَّ التَّدخين محرَّم لأنّه إيذاءٌ للمؤمنين والمؤمنات؟ بلى.
الآيات كثيرة, لن أسوقها جميعاً, ولكن أكتفي بالآية الأخيرةِ الّتي سأتوقَّف عندها, آيةٌ لا تذكر اسم التَّدخين, ومن الغباء أن يطلب إنسانٌ تحريم التَّدخين باسمه في القرآن, فيقولَ: ( لنا أريد آيةً تقول: حُرِّمَ عليكم التَّدخين )..!، أقول: سبحان الله! ولو جاءت هذه الآية: ( حُرِّمَ عليكم التّدخين.. ), لقلتَ: أريد أن أعرفَ أيّةَ أنواع, لم يقل لي: حُرِّمَ عليكم كذا وهكذا... أريد أن تُحدَّدَ الأنواع بالدقَّة..., فهذه كأسئلة بني إسرائيل, قد قال النّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام: [ ليشربنَّ أقوامٌ من أمتي الخمر يسمُّونها بغير اسمها ] ، « طيّب » لمَّا تغيَّر الاسم لم تتغيَّر الحقيقة؛ ولم يتغير الحكم الشّرعي, وهكذا التّدخين موجودٌ في القرآن في مواطن كثيرة، ولكن ليس باسمه, وقد [ نهى النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام عن كلِّ مسكرٍ ومفتِّر ] , والدُّخان نوعٌ من المفتِّرات, ماذا يقول الله تعالى عن التَّدخين وغير التّدخين من وسائل الانتحار؟ يقول: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا * } ... المدخّن يقتل نفسه؟ نعم يقتل نفسه, خذوا مثالين لانتحارٍ سريعٍ وآخرَ بطيء: واحدٌ طعن نفسه في بطنه أو في قلبه, أو ضرب نفسه برصاصة استقرّت في دماغه, فمات في ظرف لحظات أو دقائق, وآخر قطع شرايينه وصار الدّم يسيل, استمر الدّم في السَّيلان ساعاتٍ طويلة ثمَّ مات, هل من فرقٍ بينهما؟ لا فرق, كلاهما منتحر, المدَّة الزّمنيّة ليست مشكلة, المهمّ النَّتيجة, النَّتيجة أنَّه مات بسبب فعلٍ شخصيٍّ مارسه ضدَّ نفسه, فقتل نفسه, فهو منتحر, يقول النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام في هذا المنتحر: [ من تردَّى من جبلٍ فقتل نفسه فهو في نار جهنَّم يتردَّى فيها خالداً مخلَّداً فيها أبداً, ومن قتل نفسه بحديدةٍ وجأ بها بطنه, فحديدتُه بيده يجأ بها بطنه في نار جهنَّم خالداً مخلَّداً فيها أبداً, ومن تحسَّى سمَّاً.. ] انتبهوا! يا أصحاب النِّيكوتين [ ومن تحسَّى سمَّاً فقتل نفسه, فسمُّه بيده يتحسَّاه في نار جهنَّم خالداً مخلَّداً فيها أبداً ] ، الّذي يتحسَّى النِّيكوتين... قال: هو لا يتحسَّاه, هو يتنفَّسه, لا فرق بين الطَّريقتين, بين أن يبتلعه ابتلاعاً أو يرتشفه ارتشافاً, أو يشمَّه شمَّاً, أو يحقنه حقناً, النَّتيجة واحدة, لذلك فالحكم الشّرعي واحد, المدخِّن منتحر ما دام عارفاً بما يصنع, أمَّا إن لم يكن عارفاً فلا يسمَّى منتحراً, هذا قتل نفسه خطأً, إن كان لا يعرف ما في هذه السّيجارة فلا بأس, بعض العلماء في السَّابق لم يكونوا يعرفون أضرار السِّيجارة لذلك أباحوها, منهم الشّيخ عبد الغنيّ النَّابلسيّ الّذي ألَّف كتاباً سمَّاه: ( رسالة الإخوان في إباحة الدُّخان ), في زمانه لم يكن ضرر التّدخين معروفاً, وأخذ بهذا الكلام أناسٌ تمسَّكوا بالسِّيجارة إلى هذا الزَّمان, رغم أنَّهم يدَّعون الصّلاح, ويدَّعون الالتزام والاستقامة, كلُّ شيء على ما يرام إلا هذه السِّيجارة أو "النَّرجيلة"... "النَّرجيلة" أخطر من السِّيجارة - أيُّها الأحبّة - كما سوف أبِّين.
إذاً فالمدخِّن منتحر ينزل بنفسه من أشكال الأضرار ما لا تجده في فعل آخر، كيف؟ هناك بعض أنواعٌ الأطعمة تضرّ بعض أجهزة الجسم، مريض السّكري يُمنَع من أكل الأطعمة الحلوة، ويُمنَع من أكل النّشويات وأشكال السّكريّات، وهذه الأطعمة تُضِرُّ جهازاً معيناً من أجهزة جسمه، وتعطّل وظيفةً معينةً من وظائفه، وهكذا أيّ أمرٍ آخر يمكن أن يؤذي جزءً من أجزاء الجسم أو جهازاً من أجهزته، أمّا السّيجارة فإنّها لا تترك جزءً من أجزاء الجسم إلا وتلحق به الضّرر، على الإطلاق.. تنزل ضررها بكلّ أجزاء الجسم، بحيث لو ذهبت إلى طبيبٍ - مهما كان اختصاصه - مصاباً بمرضٍ ما، فأوّل سؤالٍ ينبغي أن يسألك إيّاه هل تدخّن؟ إن كان اختصاصه في الطّب الدّاخليّ، أو في الجهاز الهضميّ، أو في الجهاز العصبيّ، فالنّتيجة واحدة.. الضّرر سيقع على كلّ أجهزة الجسم ولكن بنسبٍ متفاوتةٍ.
أنواع السّرطانات الكثيرة القاتلة يدخل التّدخين في نسبةٍ كبيرةٍ منها.. سرطان القلب، سرطان الأوعية الدّمويّة، سرطان الرّئتين، سرطان القصبات الهوائيّة، سرطان الدّم، سرطان المثانة، سرطان الثّدي، سرطان عنق الرّحم... تدخل مساهمةُ التّدخين بنسبةٍ كبيرة في هذه الأنواع من السّرطانات، ولكن هناك أنواعٌ أخرى من السّرطانات يُعَدّ التّدخين السّبب الوحيد لها.. يعني كلّ السّرطانات التّدخين هو السّبب الرّئيس، ولكن هناك أنواعٌ أخرى من السّرطانات التّدخين هو السّبب الوحيد لحدوثها، ولم تكن معروفةً إلا بعد انتشار التّدخين، ولا يصاب بها إنسانٌ إلا وهو مدخّن، مثل: سرطان الشّفتين، وسرطان اللّثة.. فإنّ هذه الأنواع من السّرطانات لا تصيب غير المدخّنين، والتّدخين نسبة تأثيره ونسبة مساهمته في إحداث هذه الأنواع من السّرطانات مئة بالمئة.
طبعاً إضافةً للأضرار الكبيرة الّتي تنصب بالتّحديد على القلب والأوعية الدّمويّة: كتصلب الشّرايين وتضيق الأوعية الدّمويّة وحدوث الجلطات القاتلة... فإنّ التّدخين يساهم بالنسبة الكبرى في حدوث هذه الأخطار القاتلة.
هناك أمراض أخرى - أيُّها الأحبّة - لم تحدث إلا بسبب التّدخين منها مرضٌ يسمى: ( داء بيرغر ) هذا المرض يصيب القدم ويستوجب البتر، فإذا لم تبتر يسري إلى السّاق يستوجب بترها، فإذا لم تبتر يسري إلى بقيّة أجزاء الجسم.. وهو يشبه ما يسمى: ( الغانغرين ) الّذي يصيب مرضى السّكريّ، ولكنّه مرضٌ آخر لا علاقة له بالسّكريّ، إنّما ارتباطه المباشر بالتّدخين حصراً، لا يصيب إلا المدخّنين.
تأثير التّدخين على الدّماغ، تأثير التّدخين على المرأة الحامل، تأثير التّدخين على فحولة الرّجل وإخصابه كبير جداً... في كثيرٍ من الحالات يؤدّي التّدخين إلى تشوّهٍ في النّطاف، وفي كثيرٍ من الحالات يؤدّي التّدخين إلى تشوّهٍ في الأجنة، إذا كان الرّجل مدخّناً أو كانت المرأة مدخّنة، فالمرأة المدخّنة تقتل طفلها بطريقةٍ أو بأخرى، وتؤدّي إلى إنشاء طفلٍ ناقص التّكوين، إنْ لم يكن طفلاً معطوباً، هذا إذا لم يُقتَل بسبب تدخين أمّه.
وفي كثير من الحالات يؤدّي التّدخين إلى العُقم، سواءٌ أكان المدخّن رجلاً أم امرأة، طبعاً المسألة مسألة نسب، لا يعني أن كلّ مدخّن يصير عقيماً؛ ولكن نسبة المدخّنين الّذين يصابون بالعقم أكبر من نسبة غير المدخّنين الّذين يصابون بالعقم، وبمعنىً آخر نسبة من يصابون بالعقم من المدخّنين أكبر من غير المدخّنين، بالمحصلة: قتلٌ حقيقيٌّ للنّفس بأشكالٍ ملونةٍ..
يقول قائل: أنا أدخّن من زمان ولا اشعر بالضّرر! نقول: وما أدراك ما يحدث في داخلك؟ اذهب إلى الطّبيب، اطلب منه أن يفحص جسمك.. التّحاليل والصّور تكشف الحقيقة، أما أنت لا تشعر بالخطر.. فهذا لقلّة إحساسك!!.
وكم من أمراضٍ - أيُّها الأحبّة - يحتضنها الجسم، وتربّى فيه، وتستمر فيه زماناً طويلاً ولا يشعر بها المرء حتى تصل إلى مرحلةٍ حرجةٍ جدّاً بحيث لا يمكن شفاؤها.. فإذا كان المدخّن لا يشعر بأنّه يتأذّى فهذا لقلّة شعوره!! ولكنّ الطّبيب هو الفيصل الّذي يحكم: يحدث الأذى أم لا يحدث؟ ولا يمكن أن يكتشف الطّبيب أن هذا الإنسان لم يتضرّر بسبب تدخينه.. لا يمكن أبداً.
المدخّن إذاً منتحر شئنا أم أبينا، يقتل نفسه ويُنزِل بنفسه أشكال الأضرار، والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يقول: [ لا ضرر ولا ضرار ] ، وقد فهم الفقهاء من نصوص الشّرع الحنيف قاعدةً أساسيّةً مفادها: ( ما ثبت ضرره ثبتت حرمته )..
أيُّها الأحبّة لو أحصينا مقدار الّذين يموتون في كلّ عام بداء الكوليرا، والّذين يموتون بالبلهارسيا، والّذين يموتون بالملاريا، والّذين يموتون بالإيدز، والّذين يموتون بالأعاصير والزّلازل والعواصف والبراكين... وجمعناهم معاً لكان عدد الّذين يموتون بسبب التّدخين أكثر منهم جميعاً..!! في كلّ عام يموت بسبب التّدخين ثلاثة ملايين إنسان!! في كلّ سنة! في أرجاء العالم على حسب تقارير منظمة الصّحة العالميّة!! والعدد طبعاً مرشح للزّيادة لسببين لأنّ أعداد البشر تزداد وأعداد المدخّنين تزداد، ولأنّ نسبة المدخّنين تزداد أيضاً!! بسبب الدّعاية القويّة لشركات الدّخان، وما أعجب هذا!! تباع علبة الدّخان ويكتب عليها: ( تحذير حكوميّ: الدّخان ضارّ ننصحك بالابتعاد عنه ), ولِمَ تسمحون ببيعه أساساً؟ لِمَ لا تجدون الطّرق الّتي تخلص النّاس من شرّه؟
في وسائل الإعلام السّوريّة الدّعوة إلى التّدخين ممنوعة، هذا كدعاية تجاريّة، ولكن هناك أشكالٌ أخرى للدّعاية تسرب من المسلسلات والتّمثيليّات؛ حيث يظهر الإنسان المدخّن على أنّه شخصيّة مرموقة! وهذا من أكثر ما شجع أطفالنا على الرّغبة في التّدخين عندما يكبرون.. يُظهرون إنساناً مدير شركة، رجل أعمال، رئيساً، وزيراً، شخصيّةً مهمّة.... يجلس على كرسيّه الفخم ويضع رجلاً على رِجْل، وأمامه طاولةٌ محمّلة بأشكال الأجهزة من هواتف وفاكسات وحواسيب... وتتمّة الحساب أن يُمسك بيده سيجارةً أو سيجاراً فاخراً...! هذا الطّفل الصغير الّذي يعشق الأُبّهة والوجاهة عندما يرى مثل هذا يتحمّس أن يصير كبيراً ليصير هكذا.. هو لا يستطيع أن يمتلك مكتباً ليصير وجيهاً به، ولا يستطيع أن يمتلك سكرتيرةً ليصير وجيهاً بها، ولكنْ يستطيع أن يضع رجلاً على رِجْل ويستطيع أن يمسك بيده السّيجارة.. هذا ما يستطيعه من الوجاهة! لذلك يشتهي أن يبتعد عن عين والده ويدخّن، وأخطر ما في الأمر أن يكون الوالد مدخّناً.
الّذي يقول: ( التّدخين ليس محرماً ).. ويدافع عن نفسه، أسأله: تحب لولدك أن يدخّن؟ يقول: لا, أقول: لو رأيت ولدك يدخّن ماذا تصنع؟ يقول: أمنعه، أقول أخطأت! لا ينبغي أن تمنعه؛ لأنّك ستكون متناقضاً في نظر ولدك، تدخّن أمامه ثمّ تقول لا تفعل!! أيّهما أقوى القول أم الفعل؟ الفعل أقوى، قولك وفعلك متعارضان، هو يحبّ أن يقتديَ بفعلك، ويترك قولك جانباً، بل سيتعلم منك أيضاً الازدواجيّة، في المقابل عندما سوف يرى إنساناً مدخّناً سيقول: له لا تدخّن.. وهو يدخّن، يفعل مثلك تماماً، يقلدك بكلّ التّفاصيل.
الّذي يقول: ( التّدخين ليس محرماً )..، أقول له: هل تستسيغ أن تدخّن داخل المسجد؟ يقول: أعوذ بالله، أقول: لماذا؟ يسكت، يقول: هذا لا يليق.. أقول: لماذا لا يليق؟ الأكل يجوز داخل المسجد، النّوم يجوز داخل المسجد، المعتكفون يأكلون وينامون.. ولكن أنت لا تستسيغ التّدخين داخل المسجد، لأنّك في قرارة نفسك تعلم أنّه أïن أنت لا تستسيغ التّدخين داخل المسجد، لأنّك في قرارة نفسك تعلم أنّه أمرٌ منكرٌ محرّمٌ، لا يليق في بيت الله.
انتشار التّدخين بين الشّباب أيُّها الأحبّة سببه: ضعف الشّخصيّة الّذي يسيطر على معظم شبابنا، بحيث يصيرون مقلّدين عمياناً لما يرونه في شاشات التّلفاز، أو لما يراه الواحد من أبيه، أو من عمّه، أو من خاله، وهذا يحتّم علينا أن نقوّي شخصيّات شبابنا، بحيث يختار الواحد منهم ما يريد.
كيف يحدث الإدمان على التّدخين؟
يبدأ بالتّدخين في فترة انعدام الوعي، وعندما يصير عنده بعض الوعي يكون قد أدمن، فلا يستطيع أن يقلع، وما رأيت إنساناً بدأ بالتّدخين وهو في فترة الوعي والنّضج، لا يمكن.. ولكن بدأ بالتّدخين وهو غير ناضج، وعندما نضج نسبياً كان التّدخين قد تمكن منه فلم يعد يستطيع الإقلاع عنه.
السّيجارة - أيُّها الأحبّة - فيها غير تلك الموادّ الّتي ذكرتها لكم وأخطر من كلّ تلك الموادّ، تعرفون ما فيها؟ فيها الخمر.. تستغربون ذلك، ولكن هذا لا بدّ منه في صناعة السّجائر، الكحول لا بدّ منه، وله غايتان الأولى:
إضفاء النّكهة على هذه السّيجارة، إذا كان التّبغ هو التّبغ فما الّذي يجعل طعم سيجارةٍ يختلف عن سيجارةٍ أخرى؟ المنكّهات، ومن ضمنها الكحول.
والغاية الثّانية: هي تسريع اشتعال هذه السّيجارة، سيجارةٌ يحتاج صاحبها إلى أن يشعلها عشر مرّات، وأخرى يكفي أن يشعلها مرّة واحدةً وهي تحترق بنفسها..! نسبة الكحول والبارود القليلة جدّاً في هذه أكثر من تلك.
طبعاً الدّخان الأجنبيّ نسبة الكحول فيه أكبر، البعض قال: أمّا الوطنيّ فليس فيه، لا، أثبتت الأبحاث المعمليّة أن كلّ أنواع التّدخين فيه نسبة من الكحول تزيد أو تنقص، لهذا قلت للمدخّن: يا أيُّها المدخّن إذا كنت مصرّاً على ارتكاب المعصية بالتّدخين.. فإيّاك ثمّ إيّاك.. أن تحمل علبة سجائر أثناء أدائك للصّلاة لأنّك تحمل نجاسةً، ولا تصحّ الصّلاة مع حمل النّجاسة، ( تحمل كحولاً )، ضعها جانباً خارج المسجد، لا تدخل معك أداة المعصية إلى داخل بيت الله، ضعها خارج المسجد ثمّ صلِّ، وعُد إلى معصيتك إلى أن يتوب الله عليك.. أمّا أن تحمل هذه الأداة أثناء صلاتك فهذا أمرٌ خطير.
أخطر من هذا أيُّها الأحبّة: الدّخان الأجنبيّ وبخاصّة "الأمريكيّ" يحوي فضلاً عن كلّ تلك المواد وفضلاً عن الكحول.. نسبةً من المخدّرات الأخرى غير "النّيكوتين"، قد يوضع فيه نسبة من "الكوكائين"، نسبة من "الحشيش"... وما الغاية؟ الغاية أن لا يخسروا هذا المدخّن لأنّه سيُدمن على هذا النّوع.
البعض قال لي: لن يفعلوا ذلك هذا غالٍ جدّاً.. أقول: يضعونه بنسبةٍ قليلة فإذا كرّر تدخين هذا النّوع أكثر من مرّة فسوف يُدمن عليه، يقول: أنا لا أغيّر دخانيّ..! عجيب! لماذا لا يُغيّر دخانه إذا كان التّبغ هو التّبغ.. والنّيكوتين هو النّيكوتين.. مكرّر هنا وهنا... هناك مادّة زائدةٌ في هذا النّوع لا توجد في الأنواع الأخرى، لذلك يشعر بأنّها تُشبع له حاجةً لا يعرف ما هي!! وإن دخّن نوعاً أخر فلن يُشبع له هذا النّوع من السّجائر حاجته.. وقد صار مُدمن مخدّرات..! وهو لا يشعر، نعم مُدمن مُخدّرات..! بنسبةٍ قليلة..
وإذا كان شاباً طائشاً فيمكن أن يتطوّر معه الأمر إلى إدمانٍ احترافيٍّ للمخدّرات.. يبدأ بالسّيجارة، ثمّ ينتقل إلى السّيجار، ثمّ ينتقل إلى "النّرجيلة" و"الغليون" ثمّ بعد ذلك... المجالات مفتوحةٌ أمامه، والطّرق كثيرة للإدمان الاحترافيّ للمخدّرات..
"النّرجيلة" على سبيل المثال الّتي يستسهلها البعض، ويرونها ليس فيها ضرر، ضررها لا يقلّ عن ضرر السّيجارة..! "النّيكوتين" الّذي في هذا "التّنباك" الّذي يُوضع في "النّرجيلة" فيه "نيكوتين"، إذاً في هذا "النّيكوتين" الموجود يعدل مقدار النّيكوتين الموجود في ثلاثين سيجارة...! ( في عُلبةٍ ونصف عُلبة!! ) والّذي يُدخّن "نرجيلةً" كاملة ( نفساً كملاً ) في جلسةٍ واحدة.. كأنّه دخّن عُلبةً ونصف عُلبةٍ من السّجائر.. الّتي فيها ضررٌ مُكثّف ( نيكوتين نسبته عالية ).
يقول البعض فإذا كنت لا أبتلع هذا الدّخان وأخرجه بسرعة.. أقول إذاً قد تقلّ نسبة الإصابة بسرطان القلب والرّئتين والأوعية الدّمويّة.. ولكن ترتفع عندك نسبة الإصابة بسرطان اللّثّة وسرطان الشّفتين.. ثمّ لا يُمكن أن لا تبتلعه أبداً.. لا بدّ من أن يتسرّب بعضٌ من هذا الدّخّان فتصاب بالأنواع الأخرى من السّرطانات..
تجدون أيُّها الأحبّة أنّه لا يوجد شيءٌ واحد جيّد قد يُذكر في هذه المسألة، من أين نظرت رأيت قُبحاً.. ورأيت مفسدةً... من النّاحية الاقتصاديّة التّدخين أيُّها الأحبّة يؤدّي إلى نزيفٍ في أموال الأمّة، ولو أحصيت عدد المدخّنين كم يُدخّنون في كلّ يوم.. وكم واحداً منهم يُدخّن.. لرأيت رقماً مرعباً يُنفق على التّدخين في بلادنا.. وسائر بلاد المسلمين... في كلّ يوم تُنفق مليارات اللّيرات في البلاد المسلمة.. في البلاد العربيّة ثمناً لعلبة السّجائر!!! يستسهل هذا المدخّن أن يتناولها، وقد يحرم أولاده من الطّعام والشّراب في سبيل أن يتناولها...!!!
يقول: فإذا كان غنيّاً فهل يسقط عنه الإثم؟ الإثم محقّقٌ في كلّ الأحوال، لأنّ الضّرر محقّقٌ في كلّ الأحوال، من النّاحية الاقتصاديّة، من النّاحية الصّحّية.. من النّاحية الاجتماعيّة..
عرفنا ما هو ضرر التّدخين وما حكمه الشّرعيّ... بقي أن نعرف ما هو الحلّ..؟ ما السّبيل إلى التّخلّص من هذا الوباء.. إنّه - أيُّها الأحبّة - لا يقلّ عن بقيّة الأوبئة!! نسمع في وسائل الإعلان كلاماً كثيراً، كلّ مدّةٍ يخترعون مصطلحاً جديداً لمرضٍ جديد... تارة يتكلّمون عن "السّارس" ويقضون نشرات الأخبار كلّها،.. في كلّ نشرةٍ هناك خبرٌ جديد عن "السّارس" ثمّ عن "إنفلونزا الطّيور"، وقبل ذلك عن "الإيدز"، مع أن التّدخين أخطر من كلّ هذه الأمراض، في كلّ عام ثلاثة ملايين..!! إنفلونزا الطّيور الّتي طبلوا الدّنيا بها، يقولون: ( الببّغاء الّذي مات في بريطانيا ثبت أنّه يحمل فيروس إنفلونزا الطّيور )...! إنّا لله وإنّا إليه راجعون..! داهية عظمى دهت البشريّة حيث مات الببّغاء في بريطانيا....! ثلاثة ملايين يموتون بسبب التّدخين في كّل عام.. يحتاجوا إلى جهودٍ حثيثةٍ في محاربته... أكبر من الجهود الّتي تُبذل في سبيل محاربة كلّ الأوبئة والأمراض الأخرى، ينبغي أن نقتنع أولاً وقبل كلّ شيءٍ أن التّدخين وباء.. ليس مجرّد عادةٍ سيّئةٍ، إنّما هو وباء...!! فإذا رأيت مُدخّناً فاعلم أنّه مصابٌ بالوباء وإيّاك أن ينقل إليك العدوى... ابتعد عنه، حاول أن لا يمسّك وأن لا يجلس معك.. فإذا جلس معك وهو يُدخّن فاحذر سوف تنتقل العدوى إليك وتصير مُدخّناً سلبياً.
الكلام أيُّها الأحبّة موجّهٌ إلى المدخّن وغير المدخّن، المدخّن ينبغي أن يُقلع، وغير المُدخّن ينبغي أن يّساعد على الإقلاع.
كيف تساعد المُدخّن يا غير المدخّن؟ ينبغي أن تُشعره بإسلوبٍ لطيفٍ حكيمٍ بأنّه مُخطئ.. دائماً ينبغي أن تُشعره بأنّه مخُطئ، فإذا كان يُدخّن فاهجره إلى أن يُقلع عن التّدخين، وإن كانت العلاقة بينك وبينه لا تتناسب مع أن تهجره فانصحه دائماً وذكّره.
لا تساعد مدخّناً على تدخينه.. فإذا أرسلك إنسانٌ مدخّن لتشتري له علبة دخان فلا تتجاوب معه، عليك أن لا تعين على المعصية.
إذا كنت بائعاً فإيّاك أن تبيع الدّخان؛ لأنّك تبيع السّمّ، فالنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام قد حرّم شرب الخمر وحرّم بيعها، وكما أنّ تناول التّدخين محرّمٌ فإنّ بيعه حرام، قال عليه الصّلاة والسّلام: [ وإنّ الله إذا حرّم أكل شيءٍ حرّم أكل ثمنه ] .
سمعنا عن الشّيخ محمّد الملاح رحمه الله وأحسن إليه، ( وهو من العلماء الأجلاء الّذين زُيّنت بهم حلب وبلاد الشّام، ورُزئت بهم أيضاً عندما فُقِدَ رحمه الله) أنّه كان يمرّ على البقّال، ويمضي ولا يُسلّم عليه، فيتبعه البقّال مستغرباً.. يقول: لِمَ لَمْ تسلّم عَلَيَّ يا شيخ؟!، يقول: لأنّك تبيع هذا المنكر، وما دمت تبيع المنكر فلن أسلّم عليك، إلى أن تمتنع عن بيعه يمكن أن أسلّم عليك، أمّا الآن فلا.
إذاً الّذي يبيع السّجائر يبيع منكراً، وينبغي إذا وُجِد أكثر من بقّال في حيّك بعضهم يبيع السّجائر وبعضهم لا يبيع فاشترِ من الّذي لا يبيع - حوائجك - ولا تشترِ من الآخر، أجرِ عمليّة مقاطعةٍ إلى حدٍّ ما لتردعه عن بيع هذا المنكر، لأنّه إذا باع الدّخان أدخل لنفسه مالاً حراماً، وأدخل لأولاده مالاً حراماً.. فعليه أن يعلم ذلك وعليه أن يعلم أنّه إن ترك الحرام فسوف يعوّضه الله بالحلال: [ من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه ] .
في بيتك امنع التّدخين منعاً باتّاً، فإن جاءك ضيفٌ فلا تسمح له أن يُدخّن في بيتك، ولا تُقدّم له "نفّاضة السّجائر".. بل امنعه من أن يجلس في البيت إن أراد أن يُدخّن، تقول: سوف يحزن، أقول: عليه هو أن يحترم الصّواب، لا عليك أن تحترمه وهو خطأ، هو عليه أن يحترم موقفك لأنّك تتكلّم بما يوافق الشّرع والعقل والفطرة، فكيف يحزن عندما لا تحترم رأيه ولا يعترف بحقّك في الانزعاج عندما لا تحترم رأيه؟!، لأنّه يفعل الخطأ، وأنت عندما تمنعه.. تمنعه من الخطأ وتفعل الصّواب، أخبره أنّك لا تسمح بالتّدخين في بيتك لأكثر من سبب: لأنّك حريصٌ على مصلحتك ومصلحة أولادك وصحّتهم، ولأنّك لا تُريد أن تساعده على المنكر وتشجّعه على الحرام.
أشعر المدخّن بأنّه مُخطئ دائماً، كلّما أراد أن يُدخّن أمامك انصحه ذكّره، واضرب له الأمثلة... عسى يشعر بخطورة ما يصنع، ثمّ إذا أصرّ على أن يرتكب هذا الخطأ قال له: إذا كنت مصرّاً على إيذاء نفسك فلا تُؤذنِي معك.. هذا أقلّ ما يُمكن أن يقال في آخر المطاف.
عندما تركب في وسيلة نقل، وفيها سائقٌ مدخّن فانصحه بالتّدخين من أجله، فإن رفض فقل له: أنا لا أريد أن تُدخّن لأنّك تُؤذيني، لتمنعه.. المهمّ في المحصّلة أن تمنعه، والأولى أن تمنعه بعد أن تقنعه، لأنّ الإقناع قد يجعله يمتنع عن السّيجارة امتناعاً دائماً ( كما حدث معي في كثيرٍ من المرّات ).
في كثيرٍ من المرّات نصحت نصيحةً أريد بها أن يمتنع عن التّدخين الآن، ولكنّه استمهلني وأراد أن أشرح له أكثر، فشرحت له، وبعد أن شرحت له كثيراً قال: ( إن شاء الله هذه اللّحظة هي البداية ).. وأقلع عن التّدخين.
كثيرون أيُّها الأحبّة يحتاجون إلى من يُذكّرهم وينصحهم، وإنّي بفضل الله أتذكّر مئاتٍ من الأشخاص أعانني الله على إقناعهم بترك التّدخين، المئات.. كانوا ينتظرون تشجيعاً، كانوا ينتظرون إقناعاً، عندما سمعوا هذه المعلومات الخطيرة الّتي أخبرتهم بها.. لم يتردّدوا في الإقلاع عنه.
أمّا المُدخّن فكيف نساعده؟ هناك نوعان من المدخّنين - كما هناك نوعان من جميع النّاس - ضعيف الشّخصيّة وقويّ الشّخصيّة.
أمّا قويّ الشّخصيّة فإنّه ذاك الّذي يستطيع أن يتّخذ قراراً حاسماً، ويُجريَ تغييراً جذريّاً في سلوكٍ خاطئٍ يرتكبه في حياته.
وأمّا ضعيف الشّخصيّة فهو الّذي لا يقوى على اتّخاذ القرارات الحاسمة، ولكنّه يُريد أن يُجري التّغييرات بطريقةٍ تدريجيّة.
أقول: سوف أخاطب النّوعين من النّاس المدخّنين:
يا أيُّها المدخّن: إن كنت قويّ الشّخصيّة فإنّي أعطيك الحلّ، الحلّ أقلع عن التّدخين هذه اللّحظة، ولا تتردّد، وتذكّر الصّحابة الكرام رضوان الله عليهم الّذين نزل عليهم تحريم الخمر، وفي اليوم نفسه.. وفي السّاعة نفسها.. أقلعوا عن الخمر وأراقوا ما عندهم من الخمور أمام بيوتهم حتّى فاضت طرق المدينة أنهاراً من الخمور...!
لا تقل: أُنهي ما عندي من السّجائر.. لأنّ هذا تسويلٌ وتسويفٌ من الشّيطان، تقول: ولكن دفعت ثمنه مالاً كثيراً.. أقول: أن تدفع ثمنه وترميه في سلّة القمامة حيث موضعه الصّحيح، أفضل من أن تجعل صدرك سلّة قمامة له، هذا وسخ.. والوسخ موضعه سلّة القمامة، فكيف تجعل صدرك سلّة قمامة وترميه في صدرك؟ المال دُفع، لا يُمكن أن تسترجع هذا المال، ولكن فرقٌ بين أن تُؤذي نفسك به وأن لا تؤذي نفسك به، إذاً لا تتردّد في تحطيم كلّ ما عندك من بقايا هذه المعصية والتّخلّص منها تخلّصاً نهائيّاً، كن قوياً، كن صاحب قرار... كما كان الصّحابة أصحاب قرار.
وأمّا إن كنت ضعيف الشّخصيّة.. فاسمع إلى هذه الحلول، ( طبعاً إذا لم تقبل بالحلّ الأوّل فلا بدّ أنّك ضعيف الشّخصيّة، يعني لا تهرب من هذه المسألة.. لا تهرب من هذا الوصف، إذا لم تقبل بالحلّ الأوّل الإقلاع الآنيّ والتّغيير الجذريّ، فأنت إذاً ضعيف الشّخصيّة، فسوف أعطيك الحلول الّتي تناسب شخصيّتك الضّعيفة! ):
ينبغي أن يكون الإقلاع متدرّجاً، وربّما يكون من المُفيد أن يكون متدرّجاً، بعض الأطبّاء ينصحون المدخّنين المدمنين أن لا يُقلعوا فجأة، لأنّ هذا سيُضرّ بهم إضراراً كبيراً، وهذا من المُفيد أن نعرفه.
الأمر الأوّل: خفّف كميّة السّجائر الّتي تدخّنها يوماً بعد يوم، فإن كنت تدخّن في كلّ يومٍ علبةً من عشرين سيجارة.. ففي المرحلة الأولى اجعلها عشر سجائر، وليكن ذلك لمدّة شهر لا بأس، وإن طالت المدّة فهذا أولى لتثبت على ذلك، وبعد الشّهر اجعلها خمس سجائر.. حتّى إذا واظبت عليها ونسيت الكمّيّات الكبيرة اجعلها ثلاث سجائر.. وبعد مدّة اجعلها سيجارتين ثمّ سيجارة.. ثمّ تنسها.
الأمر الثّاني: عندما تُقلع عن التّدخين حاول أن تتخلّص من الأجواء المصاحبة للتّدخين، يعني هناك أناسٌ يربطون دائماً بين السّيجارة وفنجان القهوة.. بحيث إنّه متى حضر فنجان القهوة أو كوب الشّاي فلا بدّ من السّيجارة..!، في البداية عندما يُقلع عن التّدخين سوف يجد صعوبةً إذا استمرّ في تناول القهوة والشّاي، « طوّلنا عليكم بس بقى الموضوع مهمّ.. وهي يمكن تكون اللّيلة الأخيرة من ليالي رمضان » ففي البداية من المُفيد أن يُقلع عن القهوة والشّاي لمدّةٍ من الزّمن، يعني « بتعرفوا » مثلاً بتجربة "بافلوف" الّتي استنتج بها فعل المنعكس الشّرطي في فعلين يرتبطان مع بعض.. اسنتنتجها بالكلب « يرن له الجرس بيطعميه اللّحمة، بيسيل لعابه بسبب اللّحمة.. بس هو ربط بفعل المنعكس الشّرطي ما بين الجرس واللّحمة.. فبعد مدّة من الزّمن صار يرنّ له الجرس وما يعطيه لحمة يسيل لعابه... فهذا تعوّد إنّه لمّا بدّو يشرب قهوة بدّو يُدخّن، طيّب هلأ بطّل التّدخين، لمّا عب يشرب قهوة عب حسّ حاله متضايق كثير » لذلك من المُفيد أن يُقلع عن القهوة في المدّة الأولى من الإقلاع عن التّدخين، إلى أن يفُكّ الارتباط ما بين هذين الأمرين.. ويعتاد ترك التّدخين تركاً تامّاً.. عندها إذا رجع إلى القهوة فقد انفكّ ارتباطها بالتّدخين، هذا أمرٌ آخر.
الأمر الثّالث: للّذي يُريد الإقلاع عن التّدخين بشكلٍ تدريجيّ - بسبب ضعف شخصيّته - كلّما أنفقت مبلغاً ثمناً لعلبة سجائر أنفق مثله صدقةً في سبيل الله، فسوف ترى كم تُنفق مبالغ طائلة!! سوف يصعب ذلك على نفسك، لا بأس إمّا أن تنفقها يوماً بيوم وهذا أفضل، وإمّا أن تجمعها حتّى يتمّ الشّهر فتعطيها لفقير، فإذا لم تُطاوعك نفسك فعليك أن تستصغر نفسك كثيراً: ( كيف تطاوعني نفسي في إنفاق هذا المال في المعصية، ولا تطاوعني أن أنفق مثله تماماً في الطّاعة؟! هذا ضعف إيمان إذاً..).
الأمر الرّابع لضعيف الشّخصيّة الّذي لا يستطيع أن يُقلع عن التّدخين إقلاعاً مباشِراً: لا تحمل معك علبة السّجائر إلى المسجد وواظب على صلاة الجماعة، عندما تواظب على صلاة الجماعة خمس مرّات، وأنت لا تحمل علبة السّجائر سوف تنسى هذا التّدخين لمدّةٍ ما، ربّما تذهب إلى صلاة الظّهر.. يعرض لك أمرٌ تذهب في مشوار في قضاء حاجة... ولا تعود إلا للعصر، عندما تتذكّر سيجارةً تنظر ليست معك، تقول: لا بأس، فهذا يجعلك تنساها، وتستغني عنها لمدّةٍ من الزّمن، هذه المدّة قصيرة بعض الشّيء ولكن تعتاد ذلك.
الأمر الخامس: وهذا أهمّ الأمور على الإطلاق.. عندما تُدخّن استشعر أنّك تعصي الله، تذكّر أنّها معصية، « قال: إي بالعكس واحد بيدخّن من شان يتلذّذ وينبسط ويروّق، أنا هلأ بدي أدخّن وأنا عب عصي الله؟! عب استشعر حالي.. عب أشعر بتأنيب الضّمير والنّدم؟!! » نقول: ولكنّ هذه الحقيقة « أنت عب تقول أنه ما عب تقدر تترك التّدخين » لأنه تغلغل في جسمك.. « طيّب » لبِّ حاجة جسمك لا بأس إلى أن يتخلّص جسمك من هذه الحاجة، ولكن عندما تلبّي حاجة جسمك عليك أن تتذكّر أنّك تعصي الله! « والله تكون عب تعصي الله.. وأنت فرحان على حالك!! إيش هال الغفلة؟! إيش هال الضّلال؟! ».
الأمر السّادس: لا تدخّن أمام إنسان، « التّدخين في الغالب بدّو مجلس، بدّو جَمْعَة » قال: لا، إيّاك، إيّاك أن تدخّن أمام أيّ إنسان وخاصّةً أمام أولادك، لأنّك عندما تدخّن أمام النّاس فإنّك تُشهِدهم على نفسك، يقول النّاس: ( إذا بُليتم بالمعاصي فاستتروا ) وأصل هذا في حديث النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: [ من ابتلي من هذه القاذورات بشيءٍ فليستتر ] عندما تُريد أن تخطئ، تعصي الله.. إذا كنت لا تستحيي من الله.. فاستحيي من النّاس على الأقلّ بدايةً، قال: كلّما أردت أن أدخّن أفعل مثل المراهقين، الّذين يختبئون في دورات المياه في المدرسة لئلا يشعر بهم أحد؟!!، نقول: نعم.. تقريباً، إذا أردت أن تدخّن فاختبئ، ولا تجعل أحداً يُحسّ بك لئلا تُشهده عليك؛ فيشهد عليك يوم القيامة، اختبئ عندما تُدخّن، وأنت تقول: إنّ التّدخين سببه إدمانٌ جسمانيٌّ.. « طيّب » لبِّ حاجة الجسم لا بأس، لكن لا داعي لأن تجلس في مجلسٍ جماعيٍّ وتدخّن أمام النّاس، فإذا كنت تدخّن لوحدك تُشهد على نفسك المَلَكَيْن! ولكن تُدخّن أمام النّاس تُشهد على نفسك كثيراً من النّاس! وهذا لا يفعله إنسانٌ عاقل.. ما من إنسانٍ عاقل يعصي الله ويظهر المعصية..، يقول عليه الصّلاة والسّلام: [ كلّ أمّتي معافى إلا المجاهرين ] المجاهر بالمعصية ليست له عافية، لا يغفر الله له.. لأنّه لا يخجل من نفسه أصلاً، لو خجل من نفسه واختبأ.. لعلّ الله تعالى يغفر له لأنّه خجلان..
وإذا اعتدت على الاختباء والاختفاء عند التّدخين تلقائيّاً سوف تتخلّص منها في اقرب فرصة. « بتقول إي كلّ ما بدّي أدخّن بدّي أتخبأ؟! وما بصير أشيله معي عالجامع، و, و،.. إي بلاه، بلاه طاول، فعلاً بلاه طاول.. ولكن عب نقول نحن.. من الأوّل قلنا لك بلاه..، بس أنت قلت: أنا ضيف الشّخصيّة! وما بقدر رأساً، طيّب » هذه طرق تعينك على التّخلّص منه بطريقةٍ متدرّجةٍ، على المدى البعيد.
فإذا استطعت أن تقلع عن هذا التّدخين فاحمد الله واشكره، وضع ما كنت تنفقه في هذا المنكر في طريقٍ من طرق الطّاعة، وسوف تشعر بلذّة الطّاعة، ولذّة الإنفاق في سبيل الله بعد أن تحوّل مجرى نفقتك من المعصية إلى الطّاعة، وممّا يغضب الله إلى ما يرضيه، وممّا يؤذيك ويضرُّك إلى ما يُفيدك وينفعك، سوف تشعر بالفرق، سوف تشعر أنّ المال الّذي تنفقه صارت له لذّة.
تكلّم دائماً - بعد أن تقلع عن التّدخين - عن تجربتك؛ لتشجّع المدخّنين على أن يفعلوا مثلك ويحذوا حذوك، لأنّ كثيراً من المدخّنين يتوهّمون أنّ الإقلاع عن التّدخين مستحيل..!، ويقولون: لا يمكن أن أستغني عنها..!، طبعاً البعض يراها جميلة ولذيذة..! ويستمتع بها..! ويقول: هذه رفيقة عمري..! نقول فإذا كان رفيق عمرك يغدر بك.. واكتشفت هذا في وقتٍ متأخر، ماذا تصنع؟ ( يطعنك من ظهرك، ويقتلك، ويدبّر لك المكائد... ) ألا تستغني عنه؟ رفيقة عمرك هذه تطعنك في ظهرك، وتحاول قتلك.. أفلا تستغني عنها؟ ثمّ ما هذه الرّفيقة الّتي تدوسها بحذائك في نهاية الاستمتاع بها؟! ثمّ هل تسمّ الله في بدايتها؟، أو تحمد الله في نهايتها؟، لا هي طعامٌ ولا هي شرابٌ ولا هي أمرٌ نافع.. حتّى تسمّي الله في أوّلها وتحمد الله في آخرها.
لذلك سارع إلى التّخلّص منها، سارع إلى الاستغناء عن هذا المنكر وابتداء حياةٍ جديدةٍ وسوف تشعر باختلاف... سوف تشعر باختلاف في أكثر من جانب.. عندما ستترك السّيجارة أوّل اختلاف سيظهر أنّك سترضى عن فعلك هذا، و [ إذا سرّتك حسنتك وساءتك سيّئتك فأنت مؤمن ] ، أمّا إذا كنت تستمتع بالسّيئة..! فهذا برهانٌ على ضعف الإيمان.
سوف تشعر بثمرة الإقلاع عن التّدخين في وجهك الّذي سيُنير، وفي جسمك الّذي سيقوى، عندما كنت مدخّناً كنت لا تقوى على صعود درجٍ مرتفعٍ... مع أنّك شابٌ في مقتبل العمر، عندما تقلع عن السّيجارة سوف تشعر أنّ قوّتك قد رجعت إليك، وأنّك قد عُوفيت وشُفيت من هذا المرض من هذا الدّاء العضال، سوف تشعر بنتيجة ذلك وفْراً في المال وبركةً فيه، سوف تشعر بنتيجة ذلك احتراماً من أفراد أسرتك واحتراماً من أصحابك، ما من واحدٍ سيراك إلا سيقول لك: ( أقلعت عن التّدخين؟ بارك الله فيك أحسنت أسأل الله لك التّثبيت )، أمّا إذا رأيت صاحباً يقول لك: ( لا، لِمَ أقلعت؟! خذ دخّن ) فاعلم أنّ هذا شيطانٌ من شياطين الإنس فاحذره وابتعد عنه، فإذا استطعت أن تجذبه إلى الخير فأنت قويّ، وإن خشيت أن يجذبك إلى الشّرّ فاهجره واقطع العلاقة معه قطعاً تامّاً، لأنّه شيطانٌ من شياطين الإنس، يعرف أنّك أقلعت عن التّدخين، يعرف أنّك خرجت من الحفرة المليئة بالمياه المتّسخة ( المستنقع النّتن ) الّذي كنت فيه وكان معك فيه؛ فلمّا خرجت من هذه الحفرة وبقي هو فيها لم يرضَ أن يبقَ هو لوحده، فأراد أن يجذبك إليه ويُعيدك للسّباحة في مياه المستنقع مرّةً أخرى.. هذا ما يفعله كثيرُ من الأصحاب مع أصحابهم ( كيف يخرج هو من المستنقع وأبقى أنا؟ إمّا أن نخرج معاً أو نبقى معاً) فيعيده مرّةً أخرى، وهذا أمرٌ بالغ الخطورة، أن يكون لك صاحبٌ من هذا النّوع!! قد يوسوس لك في موضوع التّدخين ثمّ قد يتطوّر الأمر فيوسوس لك بأمرٍ آخر!! إذاً هو لا يحبّك، ولا يريد لك الخير!
تقول: إنّ بعض النّاس قد أقلعوا عن التّدخين ورجعوا. فأقول: لسببٍ مهمٍّ، لأنّهم لم يُقلعوا عن التّدخين لوجه الله، هناك أناسٌ أقلعوا عن التّدخين بسبب قلّة المال، أو بسبب أنّ التّدخين فُقِد من الأسواق، أو لأنّ الطّبيب قال له: إيّاك أن تدخّن.. فقال: لا أدخّن، بعد فترة شعر بالعافية والصّحة رجع إلى التّدخين، وربّما لا يشعر بالعافية والصّحة! يقول: إذا كانت هذه السّيجارة ستقتلني فلا بأس..!! لا أستغني عنها!!
ولكن لو أنّك تركت التّدخين لأنّه حرام ( ابتغاء وجه الله وإرضاءً لله ) فسوف تشعر بقوّة كبيرةٍ في الإقلاع عنه.
كثيرون أقلعوا عن التّدخين ورجعوا لأنّهم تركوه لأسباب صحيّة أو اقتصاديّة أو اجتماعيّة، ولكن لو تركوه لسبب دينيّ إرضاءً لله، وتركاً للحرام، وابتغاءً لوجه الله، فلا يعودون إليه، لأنّهم سيشعرون بمتعة التّوبة إلى الله، وبمتعة الإقلاع عن المعصية، والتّخلُّص من الذّنوب.. فلن يرجعوا إلى هذا الذّنب مرّةً أخرى.
فاتّخذ قرارك بأن تترك التّدخين ابتغاءً لوجه الله وسوف ترى ثمرات ذلك في دنياك قبل آخرتك، فسوف ترى أنّ اللّذّة العظيمة الّتي تحصل لك بترك التّدخين أكبر بكثير من تلك اللّذّة الوهميّة الّتي تظنّ أنّك تحصل عليها من خلال التّدخين، فاتّخذ القرار، واذكر قول الله تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } ، والله ورسوله قضيا أن لا يحقّ لك أن تُؤذي نفسك، ولا يحلّ لك أن تقتل نفسك، وأنّ التّدخين محرّمٌ لذلك، فليس لك خيرةٌ في ذلك، بل عليك أن تتّخذ القرار باتّباع أمر الله ورسوله في سبيل رضوان الله ورسوله، وفي سبيل الفوز بسعادة الدّنيا والآخرة، وإذا كنت ضعيف الشّخصيّة تجبُن وتضعُف عن فعل مثل هذا.. فكيف تستطيع أن تُبرهن عن صدق إيمانك؟
هذا برهانٌ مبدئيّ على صدق إيمانك وعلى تضحيتك في سبيل الله، فإذا اتّخذت القرار.. استطعت أن تترقّى وتبرهن ببراهين أكبر على اتّباعك لأمر الله وامتثالك لشريعته.
نسأل الله أن يعافي كلّ المبتلين وأن يردّ كلّ الضّالّين، وأن يشفي كلّ المرضى، وأن يتوب على كلّ العصاة، والمدخّن هو كلّ هؤلاء، نسأل الله لذلك أن يرزق كلّ مدخّنٍ الإقلاع عن التّدخين الّذي فيه كلّ هذه الخصال..
والحمد لله ربّ العالمين.

الملفات الصوتية
الملف الأول
أرسل هذه الصفحة إلى صديق
اسمك
بريدك الإلكتروني
بريد صديقك
رسالة مختصرة


المواضيع المختارة
مختارات

[حسن الظن بالله]

حسن الظن بالله يعني أن يعمل العبد عملاً صالحاً ثم يرجو قبوله من الله تعالى ، وأن يتوب العبد إلى الله تعالى من ذنب عمله ثم يرجو قبول الله تعالى لتوبته ، حسن الظن بالله هو ذاك الظن الجميل الذي يأتي بعد الفعل الجميل.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : {لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى.}
قال سبحانه في الحديث القدسي :{ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني } أنا عند ظن عبدي بي فإذا ظننت أنه يرحمك وأخذت بأسباب الرحمة فسوف يرحمك ، وأما إن يئست من رحمته وقصرت في طلب أسبابها فإنه لن يعطيك هذه الرحمة لأنك حكمت على نفسك والله تعالى سيحكم عليك بما حكمت أنت على نفسك .