مواضيع متنوعة > مصافحة المرأة الأجنبِّة
مصافحة المرأة الأجنبِّة

فإذا كان نظر العين إلى امرأة أجنبية زنى في حقها فكيف بالمس ؟!...

بسم الله الرحمن الرحيم
صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما مست يده يد امرأة قط إلا امرأة يملكها ، ومس الرجل للمرأة الأجنبية أمر محرم عند جمهور الفقهاء ، بل أجمع عليه كل الفقهاء الذين يعتد بقولهم ، فيحرم على الرجل أن يصافح غير زوجة وامرأة من المحارم ؛ سواءٌ أكانت المرأة الأجنبية تتصل بصلة قرابة معه أو لا .
ولم يخالف في ذلك إلا جماعة الظاهرية وإمام الظاهرية ابن حزم الظاهري الذي كانت له اجتهادات كثيرة وهو على جلالة علمه وغزارته له أكثر من شذوذ وأكثر من قول خالف فيه الجمهور وأخطأ في مخالفتهم ، ومن ذلك أنه أباح للرجل أن يصافح امرأة أجنبية ولم يعتبر ذلك حراماً وادعى الظاهرية أنه لم يرد في هذه النصوص أي إشعار بأن هذا الفعل حرام ، وهذا كلام مردود ، ففي البيعة بايع النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه رجلاً رجلاً ، وكان يصافح الرجال كلما بايع واحداً منهم صافحه ، حتى إذا بايع النساء بايعهن جميعاً بالقول ، كلمة واحدة ، دون أن يصافح واحدة منهن وقال صلى الله عليه وسلم : { لا أصافح النساء ، إنما كلامي لمئة منكن ككلامي لواحدة } { إنما كلامي لمئة منكن ككلامي لواحدة } وإن روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قد صافح بعض النساء مع وجود حائل بين اليدين من ثوب أوغيره فإن هذا لا يصح ، فلم يصافح عليه الصلاة والسلام لا بحائل ولا بدونه ، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : { وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط إلا امرأة يملكها . } أي تحل له كزوجة أو بنت أو أم مرضعة مثل حليمة أو أخت في الرضاعة مثل الشيماء أو عمة أو خالة وما إلى هنالك ، وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط إلا امرأة يملكها ، فإن هذا إشعار بأن هذا الفعل حرام ، لم يفعله عليه الصلاة والسلام وصرح بذلك ، ولم يكتف بأنه لا يصافح بل ينص على أنه لا يصافح .
كيف وقد ثبت حديث آخر ، ضعفه هؤلاء الظاهرية وهو صحيح بخلاف ما قالوا ، فيه نص صريح على أن مصافحة المرأة الأجنبية حرام يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام : { لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له } { لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له } فهذا حديث صريح صحيح يفيد أن مصافحة المرأة الأجنبية حرام .
ثم قد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور الصحيح : { كل ابن آدم كتب عليه حظه من الزنى فهو مدركٌ ذلك لا محالة ، فالعين تزني وزناها النظر ، واليد تزني وزناها البطش ، والرِّجل تزني وزناها المشي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه . } فإذا كان نظر العين إلى امرأة أجنبية زنى في حقها فكيف بالمس ؟! والنظر ليس فيه احتكاك وليس فيه تواصل - إلا عن بعد - وأما في اللمس والمصافحة فهناك تماس ، فإذا كان نظر العين زنى فمن باب أولى أن يكون مصافحة اليد زنى أشد من الزنى الذي قبله ، ويراد به هنا الزنى الأصغر ؛ فهو ليس الزنا الذي يورث إقامة الحد من جلد أو رجم ، وليس الزنى الذي يعد من كبائر الذنوب ولكنه زنى أصغر لأنه من مقدمات الزنى الأكبر ؛ الفاحشة . والإسلام لما حرم الذنب حرم مقدماته وسد أبوابه وأغلق على المرء كل الطرق النافذة إليه ، فلما حرم الزنى حرم الخلوة وحرم المصافحة وحرم النظر ، فالمصافحة أشد من النظر ، فإذا كان النظر إلى الحرام إلى المرأة الأجنبية حراماً فمن باب أولى أن مصافحتها حرام كذلك .
يقول امرؤٌ : ولكن كيف إذا وقعت في موقف حرج أمام امرأة اضطرتني لمصافحتها ومدت يدها فماذا أفعل ؟ قال بعضهم : ليس من اللائق أن تخجلها وتسحب يدك ، ولو قال هذا رجل من شواذ الناس وعوامّهم لالتمس له عذر الجهل والغباء ، ولكن إن قال هذا القول شيخ من علماء المسلمين فليس له في ذلك عذر لأنه يخالف أمراً فطرياً فضلاً عن كونه شرعياً ، فإذا وقعت في مثل هذا الموقف فأمامك حلان ؛ إما أن تلتزم بالآداب الاجتماعية المفروضة من قبل منحرفين فاسقين ، أو أن تلتزم بشرع أنزله العليم الحكيم سبحانه وتعالى ، فهل يقال إن من اللياقة الاجتماعية والذوق والأدب " والإتكيت " أن تصافحها ولا تخجلها ؟ لا بل يقال : إن من قوة الشخصية والثبات على المبدأ والالتزام بهذا الدين أن لا تصافحها وإن كان في ذلك إحراج أو إزعاج لها أو لك أو لغيركما من الموجودين ، فإن الحق يعلو ولا يعلى عليه .
وتستطيع أن تتملص من هذا بحكمة ، لا تقل أنا متوضئ فليس بين حرمة مصافحة النساء وبين نقض الوضوء تلازم ؛ فإن البعض يظن التلازم بينهما فيقول : في مذهب الإمام الشافعي لمس المرأة ينقض الوضوء ، في مذهب الإمام أبي حنيفة لا ينقض الوضوء هذا يعني أنه حلال . لا هذا لا يعني ذاك ، مسألة نقض الوضوء شيء والحل والحرمة شيء آخر ، فلمس المرأة ينقض الوضوء عند الإمام الشافعي حتى لو كانت زوجة ولم يقل إن لمس الزوجة حرام ، إذاً لمس المرأة ليس مرتبطاً نقضه للوضوء بحله أو حرمته ، هو حرام عندهم جميعاً ، نقض الوضوء أم لم ينقضه حرام للنساء الأجنبيات . كيف تتملص لا تقل متوضئ وخاصة مع امرأة غير مسلمة فإنك إن قلت لها متوضئ فسوف تظن أن الإسلام يعدها نجاسة وقذراً فإذا لمستها فسوف تتوسخ يدك ، لا تقل لها هذا لأن هذا ليس هو السبب ، بل أخبرها ما هو السبب ، قم بذلك إن كنت مستطيعاً أن تكلمها كلاماً طويلاً ، قل لها : إن المرأة في الإسلام مقدسة ، إن المرأة في الإسلام كائن سام ذو مكانة عالية ، حفظ الإسلام لها قدرها ورفع لها شأنها ، ولذلك حفظها الإسلام من ذئاب بشرية تنهش فيها وتأكل لحمها وما أكثرهم في الرجال ، وحتى يحفظ الإسلام المرأة من هؤلاء الرجال الذئاب منع الرجال من الوصول إليها ، فأمرها بالحجاب لتحفظ دونهم ، وأمرها ألا تخرج من بلدها من غير محرم لتحفظ دونهم ، وأمرها أن تتمنع على الرجال ، وتكون عروباً تتمنع ولا تتزين للرجال الأجانب وتتزين فقط لزوجها لتحفظ دونهم ، وحرم على الرجال أن يصافحوها مجرد مصافحة لئلا يكون لذلك نتائج سيئة ، ولئلا يتمكنوا من نهش لحمها كل ذلك لأن الإسلام جعلها مقدسة ، قل لها حفاظاً عليك أيتها المرأة فإنني لا أصافحك ، لأنني إن صافحتك صافحك غيري ، وإن صافحك الرجال عموماً فسوف تقعين فريسة لأولئك الذين يسعون إلى اشتراء اللذة بأي شكل ، يبدؤون بالصغير ليصلوا إلى الكبير ، لذلك أنا لا أصافحك .
هذا هو السبب ، هذا هو التعليل الذي يمكن أن يفهمه المسلم من تحريم مصافحة النساء ، وليس أنه متوضئ أو أي سبب آخر لا يرقى إلى هذا المستوى . وأما إن كان المجال لا يتيح لك أن تشرح كل هذا الشرح فيكفيك أن لا تصافح ، ويكفيك أن تعلن أن هذا مبدأ لك ، وبخاصة إن كنت في بلد من بلاد الغرب حيث لا دين ولا ضوابط ولا أخلاق ، وحيث هذه التفاسير تكون فوق مستوى الوعي الذي عندهم لأن الوعي عندهم منحط المستوى ، فإذا كانوا يفهمون فأفهمهم وإن كان المجال لا يتاح لإفهامهم فقل : أنا مسلم والإسلام قال لي لا يصافح الرجل امرأة أجنبية فأنا لا أصافح وذلك التزاماً بمبدئي ، وسوف يحترمون مبدأك ويحترمونك لأنك تحترم مبدأك ، وإن لم يكن هذا أيضاً متاحاً أو مناسباً فيكفي أن تلتزم أنت بالفعل فهم الطرف الآخر أم لم يفهم فأنت لست موكلاً بهدايتهم إنما أنت موكل بالالتزام : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } فالآداب الاجتماعية لا ينبغي أن تكون سبباً للانحراف عن شرع الله تعالى ، فإن انحرفت أنت فكيف تصلح غيرك ؟! لا يصافح رجل امرأة أجنبية وإن كانت العادات الاجتماعية تقبل بذلك ، فالمسألة مسألة دين وليست مسألة عادة ، ففي بعض الأسر بنت العم مثل الأخت بنت العمة والخال والخالة هؤلاء جميعاً مثل الأخوات ، في بعض العوائل زوجة الأخ مثل الأخت وأخت الزوجة مثل الأخت هذا كله لا يغير من الحقائق شيئاً ، كما قال ربنا سبحانه : { وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ، وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل } فالشرع حدد محرمات هن المحارم ، وغير محرمات هن الأجانب ، فالمرأة الأجنبية تبقى أجنبية وإن اختلفت أعراف الناس وعاداتهم .
{ ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط إلا امرأة يملكها } نسأل الله أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً ، والحمد لله رب العالمين .
*********

الملفات الصوتية
الملف الأول
أرسل هذه الصفحة إلى صديق
اسمك
بريدك الإلكتروني
بريد صديقك
رسالة مختصرة


المواضيع المختارة
مختارات

[حسن الظن بالله]

حسن الظن بالله يعني أن يعمل العبد عملاً صالحاً ثم يرجو قبوله من الله تعالى ، وأن يتوب العبد إلى الله تعالى من ذنب عمله ثم يرجو قبول الله تعالى لتوبته ، حسن الظن بالله هو ذاك الظن الجميل الذي يأتي بعد الفعل الجميل.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : {لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى.}
قال سبحانه في الحديث القدسي :{ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني } أنا عند ظن عبدي بي فإذا ظننت أنه يرحمك وأخذت بأسباب الرحمة فسوف يرحمك ، وأما إن يئست من رحمته وقصرت في طلب أسبابها فإنه لن يعطيك هذه الرحمة لأنك حكمت على نفسك والله تعالى سيحكم عليك بما حكمت أنت على نفسك .